حديث

وفاة الرسول وصايا النبي قبل وفاته

بخصوص تاريخ وفاة الرسول، لم يرد في صحيح البخاري أيّ حديثٍ صحيح عن تاريخ وفاة النبي، وبالتالي فقد اُختلف العلماء على تاريخ وفاة المصطفى، فبعضهم من قال أن وفاة الرسول كانت يوم الاثنين في شهر ربيع الأوّل، والبعض الأخر قال إنه توفي يوم الاثنين، دون تحديد الشهر الذي وافق يوم وفاته.

الرائج حول وفاة الرسول أنه كان يوم الاثنين، في الثاني عشر من ربيع الأول، وكان لشخصية النَّبي تأثير كبير في التاريخ، ولذلك فإنّ حياته قد نُوقشت على نطاق واسع من جانب أنصاره وخصومه، وألف علماء الإسلام مؤلفات عديدة في سيرة النبي وعن وفاة النبي، ودوّنوا كل ما يتعلق بذلك.

علامات اقتراب أجل النبي 

قبل وفاة النبي ظهرت بعض العلامات التي دلّت على اقتراب أجل النبي، يُذكَر منها:

رؤيا العبّاس عن قرب وفاة الرسول، فقد ثبت عن العباس، أنه قال: (رأَيْت في المنام كأن الأرض تنزِع إلى السَماء بأَشطان شِداد، فقصصت ذلك على رسولِ اللهِ صلَى اللَّه عليه وسلَم، فقال: ذاك وفاةُ ابنِ أخيك).

ما رواه العرباض بن سارية من حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، بقوله: أن النبي عليه الصلاة والسلام(صلّى بهم ذاتَ يومٍ، ثم أقبل علينا، فوعظهم موعظةً وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقال قائلٌ منهم: يا رسولَ اللهِ كأنّ هذه موعظةُ مُودِّعٍ، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: أوصيكم بتقوى اللهِ والسمعِ والطاعةِ).

حديث المصطفى مع معاذ بن جبل حينما أرسله إلى اليمن، فأخبره بما يدلّ على قرب وفاته إذ قال له النبي: (يا معاذُ إنَّك عسى ألَّا تَلقاني بعدَ عامي هذا لعلَّك أنْ تمُرَّ بمسجدي وقبري).

ما روته أم المؤمنين عائشة من قول المصطفى- لابنته فاطمة – عندما أتت إليه، وأجلسها بجواره، حيث قالت فيما معناه: (إنَّا كُنَّا أزْوَاجَ النبيِ عِنْدَه جَمِيعا، ولَمْ تُغَادَرْ مِنَّا واحِدَة، فأقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي، فَلَمَّا رَآهَا النبي رحب بها ثُمَّ أجْلَسَهَا بجانبه، ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا مرة أخرى، فضحكت، فَقُلتُ لَهَا: خَصَّكِ رَسولُ اللَّهِ بالسِّرِّ مِن بَيْنِنَا، ثُمَّ أنْتِ تَبْكِينَ، فَلَمَّا قَامَ رَسولُ اللَّهِ سَأَلْتُهَا: عَمَّا سَارَّكِ؟ قَالَتْ: ما كُنْتُ لِأُفْشِيَ علَى رَسولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النبي، طلبت منها أم المؤمنين عائشة أن تخبرها، قَالَتْ: أمَّا الآنَ فَنَعَمْ، فأخْبَرَتْنِي، قَالَتْ: أمَّا حِينَ سَارَّنِي رسول الله في الأمْرِ الأوَّلِ، فإنَّه أخْبَرَنِي: أنَّ جِبْرِيلَ كانَ ينزل عليه بالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وإنَّه قدْ نزل به هذا العَامَ مَرَّتَيْنِ، ولَا أرَى الأجَلَ إلَّا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللَّهَ واصْبِرِي، فإنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أنَا لَكِ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الذي رَأَيْتِ، فَلَمَّا رَأَى النبي بكائي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ، قَالَ: يا فَاطِمَةُ، ألَا تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ هذِه الأُمَّةِ).

حجة الوداع 

مكث الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة 9 سنوات لم يحج فيها أبدًا وفي شهر ذي القعدة سنة 10 هـ عزم على أداء مناسك الحج، فأذّن عليه الصلاة والسلام في الناس أنه خارج للحج. فكانت حجة الوداع، لأنه لم يحجّ بعدها وودع الناس فيها، ولأنه ذكر لهم في هذه الحجة الحرام والحلال، وقال لهم «هل بلغت؟»، ولأنه لم يحج من المدينة غيرها، ولكن حج قبل الهجرة مرات قبل النبوة وبعدها. وفي يوم السبت خرج النبي على ناقته إلى مكة للحج، وخرج معه حوالي عدد كبير من المسلمين، . فلما وصل ذا الحليفة أحرم هناك وصلى العصر ثم أكمل مسيره ملبيًا.

 الساعات الأخيرة من حياة النبي


الساعات الأخيرة قبل وفاة النبي شكلت مواقف حاسمةً؛ أوّلها عندما أمر أبو بكر أن يصلي بالمسلمين صبيحة فجر يوم الاثنين، فحلّت إطلالةٌ باسمةٌ من وجه الرسول عليهم بعدما كشف ستارة حجرة عائشة، وثانيها عند ارتفاع شمس الضحى، إذ أمر المصطفى عليه الصلاة والسلام بحضور ابنته فاطمة إليه، وأسرّ إليها فبكت، ثم أسرّ إليها مرة ثانية فضحكت؛ فكانت الأولى إخبارها اقتراب وفاته، أمّا في المرة الثانية فقد أخبرها بأنّها أوّل أهل بيته لحاقاً به، وثالثها تقبيله الحسين والحسن، وتوصيته بهما خيراً، ورابعها وعظه لنسائه.

وصايا النبيّ قبل وفاته 


أوصى النبيّ مّته قبل وفاته بعدّة وصايا، يُذكَر منها:

من شدّة حرص النبيّ على أمّته أن كتب كتاباً مُفصّلاً وهو في مَرضه؛  فأوصى أصحابه بثلاث وصايا كان منها إخراج المشركين من جزيرة العرب، قال عبدالله بن عبّاس أن النبي وأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بأخْرِاج المُشْرِكِينَ مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ، وأَجِيزُوا الوَفْدَ بنَحْوِ ما كُنْتُ أُجِيزُهُمْ.

الوصية بالصلاة 

أوصى النبيّ وهو في شدّة مرضه بالصلاة، حيث قال أنس بن مالك: (كانَت عامَّةُ وصيَّةِ رسولِ حينَ حضَرتهُ الوفاةُ وَهوَ يُغَرْغرُ بنفسِهِ الصَّلاةَ وما ملَكَت أيمانُكُم).

النهي عن اتِّخاذ مسجده قبراً

 وكانت وصيّته عن عدم اتِّخاذ قبره مسجداً،هذه من آخر ما تكلّم به قبل وفاته، حيث قال النبي: (قَاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ).

أوصى النبيّ قبل مماته على حُسن الظنّ بالله، حيث قال جابر بن عبد الله: (سَمِعْتُ النبيَّ، قَبْلَ وَفَاتِهِ بثَلَاثٍ يقولُ: لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهو يُحسِن باللَه الظَّنَ).

بيّنت السيرة النبويّة عدم بقاء شيءٍ من مُبشِّرات النبوّة إلّا الرؤيا، حيث قال عبد الله بن عباس أن النبي وهو في مرض موته، قالَ: اللَّهُمَّ هلْ بَلَّغْتُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، إنَّه لَمْ يَبْقَ مِن مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إلَّا الرُّؤْيَا يَرَاهَا العَبْدُ الصَّالِحُ، أوْ تُرَى له).

من شدّة حبّ الرسول للأنصار أن أوصى بهم حين اشتدّ به مرضه، رُوي عن أنس بن مالك – أنّه قال: (مَرَّ أبو بَكْرٍ، والعَبَّاسُ، بمَجَلسِ الأنْصَارِ وهُمْ يَبْكُونَ، فَقالَ: ما يُبْكِيكُم؟ قالوا: ذَكَرْنَا مَجْلِسَ النبيِّ مِنَّا، فَدَخَلَ علَى الرسول عليه الصلاة والسلام فأخْبَرَهُ بذلكَ، قالَ: فَخَرَجَ النبيُّ فَصَعِدَ المِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وأَثْنَى عليه، ثُمَّ قالَ- عليه الصلاة والسلام-: أُوصِيكُمْ بالأنْصَارِ، فإنَّهُمْ كَرِشِي وعَيْبَتِي، وقدْ قَضَوُا الذي عليهم……

احتضار الرسول ووفاته 

أصاب النبي صداع شديد في بداية مرضه وهو عائدٌ من جنازةٍ كانت في البقيع، وحينما اشتدّ به الألم استأذن من أزواجه أن يقضي فترة مرضه عند زوجته عائشة، وارتفعت حرارة جسم النبي قبل خمسة أيّام من وفاته، احس النبي بخفة في جسمة واشتدّ عليه المرض،  فدخل المسجد وعلى رأسه عصابة، وخطب وهو جالسٌ على منبره، ثم صلّى بهم الظهر.

وقد صلّى النبيّ علية الصلاة بالمسلمين حتى يوم الخميس قبل وفاته بأربعة أيّامٍ، ولمّا حضرت صلاة عشاء الخميس اشتدّ على النبي المرض، فسأل عن صلاة الناس بعدما غُمي عليه، فأخبروه أنّهم ينتظرونه، ثمّ أمر صاحبه الصديق أن يصلّي بالناس في المسجد، حيث قالت عائشة: (ثَقُلَ النبيُّ فَقَالَ: أصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، قَالَ: ضَعُوا لي مَاءً في المِخْضَبِ، قَالَتْ: فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، فَذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عليه، ثُمَّ أفَاقَ،  فسأل النبي: أصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، قَالَ: ضَعُوا لي مَاءً في المِخْضَبِ قَالَتْ: فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عليه، ثُمَّ أفَاقَ، فسأل النبي مرة أخرى: أصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، فَقَالَ: ضَعُوا لي مَاءً في المخضب، ففَاغْتَسَلَ، ثُمَّ أُغْمِيَ عليه، ثُمَّ أفَاقَ فسأل: أصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، والنَّاسُ في المَسْجِدِ، يَنْتَظِرُونَ النبيَّ لِصَلَاةِ العِشَاءِ الآخِرَةِ، فأرْسَلَ النبيُّ إلى أبِي بَكْرٍ الصديق وطلب منه أن يصلي بالناس ، فأتَاهُ النبي فَقَالَ: إنَّ رَسولَ اللَّهِ  يَأْمُرُكَ أنْ تُصَلِّيَ بالنَّاسِ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: يا عُمَرُ صَلِّ بالنَّاسِ، فَقَالَ له عُمَرُ: أنْتَ أحَقُّ بذلكَ.

وبدأ احتضار النبيّ وكان بجوار زوجته عائشة، وكان موته في حِجرها، وعند اشتداد سكرات الموت على النبي أقرّ أنّ للموت سكراتٍ، فرفع إصبعه وشَخِص بصره للأعلى، وسمعته عائشة يقول: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وارْحَمْنِي وأَلْحِقْنِي بالرَّفِيقِ)،وكرّرها المصطفى 3 مرات قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى.

تغسيل النبي ودفنه

غسّل الرسول بعد وفاته أهلُ بيته، وعُصبته من بني هاشم، وهم: عمّه العبّاس مع ابنَيه، وابن عمّه علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد،  وشقران مولى الرسول، لم تنزع ثيابه عند تغسيله، فقد رُوِي عن أم المؤمنين عائشة- أنّها قالت: (لمَّا أرادوا غسلَ النبي قالوا: واللَّهِ ما ندري أنُجرِّدُ رسولَ اللَّهِ من ثيابِهِ كما نجرِّدُ مَوتانا، أم نَغسلُهُ وعلَيهِ ثيابُهُ؟، فلمَّا اختَلفوا في هذا الأمر ألقى اللَّهُ عليهمُ النَّومَ حتَّى ما منهم رجلٌ إلَّا وذقنُهُ في صَدرِهِ، ثمَّ كلَّمَهُم مُكَلِّمٌ من ناحيةِ البيتِ لا يعرفون من هوَ: أن اغسِلوا النَّبيَّ وعلَيهِ ثيابُهُ).

وباشر عليّ غسلَ النبيّ وحده، وأسنده إلى صدره، وهو يُغسّل الرسول كان يقول: “ما أطيبك يا رسول الله حيّاً وميتاً”،  وكان أسامة وشقران يصبّان الماء، أمّا العبّاس وابناه، فكانوا يُقلّبون النبيّ، وتمّ تكفين النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام بثلاثة أثوابٍ من القطن دون نزع ثيابه عنه.

تاريخ ومكان وفاة الرسول 

عند وفاة الرسول كان عُمرُه ثلاثة وستون عاماً، تُوفّي النبي  في العام الحادي عشر للهجرة، يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأوّل،أي ما يوافق العام 633 ميلادي.

وقد خُلِّد موت النبي علامةً من علامات الساعة، والدليل  ما رواه الإمام البخاريّ عن عوف بن مالك أنّه قال: (أَتَيْتُ النبيَّ في غَزْوَة تَبُوك وهو في قُبَّة مِن أَدَم، فَقالَ: اعْدُدْ سِتًّا بيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي…….، وكانت وفاة المصطفى في حُجرة السيدة عائشة في المدينة المنورة، ، بل جاء الخبر الصحيح أنّه مات ورأسه على فخذ أم المؤمنين عائشة .

حال المسلمين بعد وفاة الرسول

تقطّعت قلوب صحابة النبي وفُجع المسلمون بعد وفاة الرسول، و قالت فاطمة من شدة الحزن : “يا أنَسُ أطَابَتْ أنْفُسُكُمْ أنْ تَحْثُوا علَى رَسولِ اللَّهِ التُّرَابَ”، وقد ذُهِل عمر بن الخطاب – بساعة موت الرسول فتوعّد بقطع رأس كلّ من قال أنّ محمّداً قد مات، وقال: “إنّه غاب عن قومه كما غاب موسى لملاقاة ربّه”. فصدح أبو بكر الصدّيق – بعمر، وقام خطيباً في الناس وقال : “من كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيٌّ لا يموت”، ثمّ تلا عليهم قوله -تعالى-: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ)، وشجاعة الصدّيق كانت سبباً في تهدئة المسلمين وما حلّ بهم بعد وفاة النبي.

ختاماً، تناولنا قصة وفاة الرسول، ومكان الدفن، وما هي علامات قرب أجل النبي، وحال المسلمين بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم.

المصادر :

موضوع ، ويكيبيديا ، إسلام ويب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى