تاريخ

معركة حطين وتحرير بيت المقدس

معركة حطين من أهم المعارك التي قضت على الصليبيين بشكل نهائي على يد صلاح الدين الأيوبي، أنتهت الصراع بين المسلمين والصليبيين وتم استرجاع مدينة القدس بعد عقود من الاحتلال، قادها البطل المسلم صلاح الدين الأيوبي بكل حنكة واقتدار، وسجلت في صفحات التاريخ كنصر حاسم غير مجرى الأحداث في المشرق الإسلامي.

ماذا سبق معركة حطين؟

في نهاية القرن الحادي عشر، تمكن الصليبيون من السيطرة على أجزاء واسعة من بلاد الشام، بما في ذلك مدينة القدس الفلسطينية، بعد حملاتهم المتكررة عليها، أقاموا ممالك صليبية مثل مملكة بيت المقدس، وكانت هذه الكيانات تعيش على حساب أهل البلاد المسلمين والمسيحيين الشرقيين، ما أثار الغضب والاستياء في قلوب المسلمين، الذين ظل حلم تحرير القدس راسخ في أذهانهم.

أسباب معركة حطين

لم تكن معركة حطين وليدة لحظة غضب أو قرار عابر، بل جاءت نتيجة تراكمات متعددة، منها ما كان مباشر وواضح، ومنها ما كان أعمق وأكثر ارتباط بالسياق العام للصراع بين المسلمين والصليبيين، من ضمن أسباب معركة حطين هي:

السبب المباشر الذي أشعل شرارة المواجهة، فكان تصرف استفزازي من أرناط، حاكم الكرك، حين اعتدى على قافلة تجارية ضخمة كانت تسير من القاهرة في طريقها إلى دمشق، محمية بجنودها ومحملة بالثروات الكثيرة، ورغم حراستها القوية، استطاع أرناط أن يهاجمها، وينهب محتوياتها، ويأسر من كان فيها من الرجال. 

وعندما أرسل إليه صلاح الدين مطالبا بإطلاق سراح الأسرى ورد الأموال، قابل الطلب بالسخرية والتهكم، بل وتطاول على العقيدة الإسلامية بقوله لرسل صلاح الدين: “قولوا لنبيكم يخلّصكم”، حتى ملك القدس نفسه، غي دي لوزينيان، شعر بخطورة ما فعل أرناط، لكنه لم يتمكن من ردعه، وهنا أيقن صلاح الدين أن الصمت لم يعد ممكنا، وأن التصدي لهذا العدوان بات واجبا لا مفر منه، فبدأ الإعداد للمعركة التي ستكون فاصلة.

أما على الصعيد الأعمق، فقد كان صلاح الدين يسعى منذ زمن إلى تحقيق هدف أكبر يتمثل في تحرير مدينة القدس من الاحتلال الصليبي، وإنهاء الحكم الصليبي في قلب العالم الإسلامي، كما كان حريص كل الحرص على إعادة ربط مصر ببلاد الشام، بعدما فصلتهما الممالك الصليبية عن بعضهما، وقطع هذا الارتباط الجغرافي والسياسي، ولذلك، جاءت معركة حطين كجزء من مشروع أوسع لاستعادة وحدة الأمة، وإنهاء الوجود الصليبي من الجذور.

وقت وتاريخ معركة حطين

وقعت معركة حطين يوم السبت 24 ربيع الآخر سنة 583 هـ، الموافق 4 يوليو سنة 1187م، في منطقة سهل حطين غرب طبريا في فلسطين، قرية حطين دفن فيها نبي الله شعيب عليه السلام، فهي من ضمن الأراضي الفلسطينية التي تمتلك أراضي وافرة بالخير وتتميز بالمناخ المعتدل الجميل.

جرت المعركة في فصل الصيف، وكان الحر شديدا، وهو ما استغله القائد صلاح الدين الأيوبي ببراعة لصالحه، حيث قطع مصادر المياه عن الجيش الصليبي واجبرهم على القتال في ظروف صعبة، مما ساهم في تحقيق نصر كبير وغير مسبوق في تاريخ الصراع مع الصليبيين.

أحداث معركة حطين بقيادة صلاح الدين 

أحداث معركة حطين تعد من أبرز مشاهد التاريخ الإسلامي في العصور الوسطى، لما فيها من تخطيط دقيق، وشجاعة نادرة، تحول مفصلي في مجرى الحروب الصليبية، إليك تسلسل أهم أحداث المعركة بشكل مبسط وواضح:

في البداية وحد صلاح الدين الأيوبي صفوف المسلمين في بلاد الشام ومصر والعراق والجزيرة حتى يكون عصبة واحدة أمام العدو.

بعد ذلك، قام صلاح الدين الأيوبي بخطوة ذكية تمهيدا للمعركة، حيث هاجم مدينة طبرية، فقام بإشعال النيران في مدينة طبرية، التي كانت تخضع للصليبيين، ما دفع ملك القدس غي دي لوزينيان للخروج بجيشه من صفورية لإنقاذ المدينة، هذا التحرك أوقع الجيش الصليبي في فخ محكم، فقد اضطروا للسير في طقس شديد الحرارة وسط نقص حاد في المياه.

استجاب الصليبيون، وخرجوا بكامل قواتهم بقيادة ملك القدس غي دي لوزينيان، حاملين معهم ما يُعرف بـ الصليب المقدس، وهو رمز ديني كبير بالنسبة لهم، قدر عددهم بنحو خمسين ألف مقاتل، وساروا باتجاه صلاح الدين في منطقة ذات تضاريس صعبة، وأرض شبه خالية من الماء والنبات، مما جعلهم يواجهون الحر الشديد والعطش والتعب.

أمر صلاح الدين بقطع طريق الصليبيين نحو بحيرة طبريا، ومنعهم من الوصول إلى منابع المياه، مما أدى إلى إنهاك الجيش عطشا وتعبا، وقد كان لهذا التكتيك أثر كبير في إضعاف معنوياتهم وطاقتهم القتالية.

تحرك صلاح الدين وجيشه نحو منطقة حطين، وهي هضبة مرتفعة تطل على بحيرة طبريا، وهناك نصب كمين محكم للجيش الصليبي، وفي صباح يوم 4 يوليو 1187م، بدأ القتال العنيف، حيث هاجم المسلمون معسكرات الصليبيين من مختلف الجهات، مستخدمين السهام والنيران لإرباكهم.

عندها بدأ الهجوم الإسلامي الكبير، بينما كان الصليبيون منهكين و محاطين بكل أشكال الضغط: حرارة الشمس، العطش، الدخان، والقتال العنيف، حاولوا المقاومة، وأرادوا نصب خيامهم للراحة وتنظيم صفوفهم، لكن المسلمين منعوهم من ذلك، ونجحوا في الاستيلاء على الصليب المقدس، وهو ما كان له أثر نفسي بالغ على الجنود الصليبيين.

مع مرور الساعات، بدأت صفوف الصليبيين تتفكك، وسقط منهم الآلاف بين قتيل وجريح، وتم أسر من تبقى من القادة الصليبيين، وكان من بين الأسرى ملك القدس غي دي لوزينيان، وأرناط (ريجينا الد شاتيون)، الذي قتله صلاح الدين بنفسه بسبب اعتداءاته المتكررة وتهجمه على الإسلام.

أمر صلاح الدين بإحضار الملك إلى خيمته، وقدم له الماء كرما وامتثالا لأدب الإسلام، ثم طلب أن يحضروا أرناط، وذكره بعهده القديم حين كان يهاجم قوافل المسلمين ويتطاول على مقدساتهم، ثم قام صلاح الدين بتنفيذ القصاص بنفسه، وفاءً بوعده الذي قطعه سابقا.

انتهت معركة حطين بنصر حاسم للمسلمين، حيث دُمر الجيش الصليبي تقريبا بالكامل، وكانت هذه المعركة بداية النهاية للمملكة الصليبية في بيت المقدس، إذ توالت بعدها الفتوحات، وسقطت القدس في يد صلاح الدين في أكتوبر من العام نفسه، دون أن تراق فيها دماء المدنيين.

العبرة والعظة من معركة حطين

من معركة حطين نتعلم أن الوحدة هي مفتاح النصر، وأن الصبر والتخطيط الجيد يمكن أن يقلب الموازين، حتى في وجه أعداء أقوياء، كما نتعلم أهمية القيادة الواعية والمخلصة، فقد كان صلاح الدين نموذج نادر في النبل والشجاعة والرحمة، وهو ما جعل انتصاره عزيز وعادل.

في ختام مقالتنا، فإن معركة حطين لم تكن مجرد نصر عسكري، بل كانت ملحمة من الإيمان والعقل والتخطيط، سطرها صلاح الدين الأيوبي ورجاله الأبطال، وبقيت تذكرنا دائما بأن الحق لا يموت، وأن الكرامة تسترد مهما طال الظلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى