قصة قارون قوم موسى

قصة قارون واحدة من القصص التي ذكرت في القران الكريم، تحمل في معانيها عظة وعبرة للكثير، تعطي درسا عن الغرور، والثراء، والتكبر، وعاقبة من ينسى فضل الله عليه، هي ليست حكاية قديمة فقط، بل مرآة تعكس سلوك الإنسان عندما يغتر بما يملك وينسى خالقه، دعونا نغوص في تفاصيل هذه القصة التي خلدها القرآن للعبرة والعظة.
لمحة عن نسب قارون
كان قارون من قوم نبي الله موسى عليه السلام، فهو من بني إسرائيل، وقد ذكر بعض أهل التفسير أنه كان ابن عم موسى، ويُقال إن اسمه الحقيقي كان “المنوّر” لكثرة قراءته للتوراة في بدايات حياته، لكن قلبه تغير بعدما اغتر بما آتاه الله من مال.
فمن جهة النسب، لم يكن غريبًا عن بني إسرائيل، بل كان منهم، وعاش معهم وعرف الحق، ولكن الشيطان زيّن له الدنيا، فانقلب على قومه وراح يتباهى بكنوزه التي فتنه الله بها، فجعلته يتخلى عن دينه وعدله، ويتكبر على قومه وأهله.
قصة قارون مع موسى عليه السلام
كان قارون من قوم موسى عليه السلام وقد آتاه الله مالًا عظيمًا حتى إن مفاتيح خزائنه كانت ثقيلة تعجز عن حملها جماعة من الرجال الأقوياء كما قال تعالى {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} ومع هذا الغنى الكبير امتلأ قلبه بالغرور والبغي على قومه ونسي أن ما هو فيه من فضل الله لا من نفسه فنصحه قومه بالصلاح والاعتدال فقالوا له كما جاء في الآية {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴿76﴾ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} لكنه رفض النصيحة ورد عليهم بكبر واستعلاء قائلًا {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي} وظن أن ما لديه من ثراء كان بجهده وحده دون فضل الله فزاد في طغيانه وخرج على قومه في موكب فخم وزينة عظيمة تفتن الأنظار كما وصفه الله بقوله {فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} لكن أهل العلم ردوا عليهم وحذروا من الاغترار بالدنيا فقالوا {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} فلما بلغ الطغيان مداه أمر الله به الأرض فابتلعته هو وبيته وماله دفعة واحدة كما قال تعالى {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ} وهكذا كانت نهايته عبرة لكل من يأتي بعده ليدرك الناس أن من يعصي الله ويغتر بنعمه فمصيره إلى زوال وهلاك.
هل حاول إيذاء موسى عليه السلام؟
نعم، ورد في بعض الروايات الإسرائيلية (وليس في القرآن مباشرة) أن قارون تمادى في العداوة حتى حاول تشويه صورة موسى عليه السلام بين الناس. وقيل إنه اتفق مع امرأة فاجرة لتقف أمام الناس وتزعم أن موسى قد فَعل بها فاحشة، لكن الله أظهر براءة موسى، فندمت المرأة واعترفت بالحقيقة.
وهذا يدل على أن قارون لم يكتفِ بظلمه وفساده المالي، بل تطاول أيضًا على نبي الله وكاد له، فاستحق غضب الله.
نهاية قارون المروعة
لكن كما لكل طاغية نهاية، كان لقارون مصير حتمي قدّره الله له، ليكون عبرة لمن يأتي بعده، فبينما هو في قمة غروره وتكبره، جاء أمر الله:
{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ}
ابتلعت الأرض قارون بكل ما يملك، ذهب، وكنوز، وبيوت، وجاه، لم يبقَ له أثر، ولم يقدر أحد على إنقاذه، لا ماله نفعه، ولا علمه أنقذه، ولا قوته منعته من الهلاك.
وقد رأى الناس هذه النهاية المفزعة بأعينهم، فخافوا وتمنوا لو لم يتمنوا يومًا ما كان عليه قارون، وندموا على لحظات الحسد، وقالوا كما ورد في الآية:
{وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}
فكانت نهايته نهاية كل من بَغى وطغى، وكل من ظن أن الدنيا أمان له دون رب العالمين.
العبرة من قصة قارون
قصة قارون ليست حكاية عابرة فقط، بل هي درس مهم عن حقيقة الغنى، وفتنة المال، وخطورة الكبر، فمن هذه القصة نتعلم:
- أن المال اختبار، وليس دليل على الرضا الإلهي.
- أن الغرور يفسد القلب ويجعل صاحبه يرى نفسه فوق الناس، فيكون هلاكه بيده.
- أن الله قادر على أن يسلب النعم كما أعطاها، فلا أمان إلا في شكره وطاعته.
- أن على الإنسان أن يتواضع مهما بلغ من المال أو العلم، فكل ما لديه هو من عند الله.
- أن العاقبة للمتقين، وأن من يختار طريق الطغيان فمصيره الخسف ولو بعد حين.
ختاما، تبقى قصة قارون تحذير واضح من فتنة الدنيا، وتذكير بأن المال إن لم يُستخدم في طاعة الله، قد اختلف المفسرون في كيفية حصوله على هذه الثروة، فمنهم من قال إنها كانت من علم الكيمياء والذهب، ومنهم من قال إنه أعطاه الله مالًا ابتلاءً، ليختبر شكره وإيمانه، لكنه خان الأمانة.
وهذا الثراء لم يكن مدعاة للتواضع، بل أغراه بالفساد، وسلك به طريق الكبر والعلو في الأرض، فكان مثالًا حيًا على فتنة المال حين يُستخدم في غير مرضاة الله.