غزوة الطائف

إن غزوة الطائف تعتبر امتداد لغزوة حنين، وكان الهدف من غزوة الطائف هو فتح الطائف والقضاء على القوات الهاربة من هوازن وثقيف من غزوة حنين، سنتحدث في المقال عن عزوة الطائف.
غزوة الطائف
إن غزوة الطائف هي غزوة حدثت في شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة ، كانت غزوة الطائف بين اثني عشر الفاً من قوات المسلمين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم و قبيلتي هوازن وثقيف، غزوة الطائف قد هدفت الغزوة إلى فتح الطائف والقضاء على القوات الهاربة من فلول هوازن وثقيف في غزوة حنين.
تعتبر غزوة الطائف امتداد غزوة حنين وذلك بسبب أن معظم المتبقي من قبيلتي هوازن وثقيف دخلوا الطائف مع القائد العام لهم مالك بن عوف وتحصنوا بها فسار إليهم النبي بعد فراغه من حنين قاصداً الطائف يريد فتحها.
غزوة حنين وحصار الطائف
غزوة الطائف كانت مكملة ل غزوة حنين، وكان السبب غزوة حنين المُباشر هو خَوْف قبيلتي هوازن وثقيف الشديد من غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بعد فتح مكة، فأرادت قبيلتي هوازن وثقيف البدء بقتال الرسول قبل أن يُقاتلهم.
فلمّا سمعت قبيلتي هوازن وثقيف خُروج رسول الله من المدينة، قاموا بتعيين مالك بن عوف قائِداً لهم، وتُسمّى ب غزوة هوازن وأوطاس أيضاً؛ فسميت هوازن نِسبةً إلى قبيلة هوازن، وسُميت غزوة أوطاس؛ نِسبةً إلى الوادي الذي وقعت فيه هذه الغزوة وكان السبب الآخر أيضا لحدوثها القضاء على آخر معاقل الشّرك والكفر في شبة الجزيرة العربيّة، وهما هوازن وثقيف المُجاورتان لمكة المُكرمة، و كتب الله النصر للمؤمنين في غزوة حنين.
حصار الطائف
ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسجد الطائف، وكان معه من زوجاته زينب وأُم سلمة، وحاصر رسول الله الطائف ثمانية عشر يوماً، وقيل أيضاً 15 يوماً، وبدأ يقذف حصنهم بالمنجنيق، ثمّ أخبرهم النبي بِحُرية من يخرج من حصن الطائف، فخرج منهم بضعة عشر رجلاً، وعددٌ من العبيد، فأَعتَقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لم يُؤذن رسول الله بفتح الطائف، فأمر عُمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يُنادي على الناس بالرحيل، ثم أذِن لهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم – بالقتال، فذهبوا إلى القتال، فطارد المسلمين العدو حتى ألجؤؤهم إلى التلال والجبال وإلى الطائف.
فحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف يريد فتحها، واستعصت عليه بسبب سورها المنيع، فقرّر رسول الله تركها مخافة أن يبلغ التعب بالمُسلمين، فرجع رسول الله ثم توجه إلى موقع يُسمّى الجعرانة حيثُ الأسرى والغنائم، فما لبث النبي وقتٌ قليل حتى أعلن أهل مدينة الطائف إسلامهم.
صناعة المنجنيق
لقد اتَّبع رسول الله صلى الله عليه وسلم العديد من الخطط في غزوة الطائف لكسر حصنها المنيع، ومن بينها أنَّ النبي أمر سلمان الفارسي بأن يبني له المنجنيقات حتى يقذف بها ثقيف بالحجارة، وقد صنع سلمان ما أراده النبي صلى الله عليه وسلم- بالإضافة لصنع الدَّبابات، حتى لا تصيب سهام ثقيف المسلمين.
بالفعل كان للرسول وأصحابه ما يريدون واستطاعوا الوصول إلى الحصن من غير أذى وهم يختبئون تحت هذه الدَّبابات الخشبية، وبدأ المسلمين بقذف الحصن عن طريق المنجنيقات، وقد استطاع المسلمين أن يكسروا جزءًا من حصار ثقيف بهذه الطريقة، إلا أنَّ هوازن وثقيف استطاعت أن تصد هجوم المسلمين وذلك بأن بعد أن قاموا بإشعال النِّيران على الأشواك الحديدية وقذفها على منجنيقات ودبابات المُسلمين، وقد أصيب المسلمون عندئذٍ بإصاباتٍ شديدة في غزوة الطائف ولم يستطيعوا دخول حصن الطائف، ورجعوا إلى معسكرهم.
إحراق النخيل
الحقيقة أن النبي لم يتراجع عن اختراق حصن الطائف بعد فشل المنجنيقات فعزم الرسول في غزوة الطائف على حرق الحدائق التي كانت حول حصن الطائف، وكانت مليئة بالفواكه والأعناب، ولم يكن يريد من هذا القرار الخراب و التَّدمير، وإنَّما لإرغام ثقيف على القتال خارج حصونها.
عندما رأت ثقيف هذا التَّصرف ناشدوا النبي بأن يترك هذه الحدائق والمحاصيل، فإن كانت الغلبة للنبي كانت تلك المزروعات غنيمة للمسلمين، وإن لم تكن له الغلبة يكون قد تركها من أجل صلة الرَّحم بينهم.
ولقد كان للرَّسول جدَّة من ثقيف وهي جدَّته الخامسة لأمِّه واسمها، وقد ترك حينها حرق المزروعات من أجل هذا، ولأنَّه ما وجد نتيجة تصرفه هذا وهو إجبار قبيلة ثقيف على الخروج من حصن الطائف.
رفع حصار الطائف
لما طال حصار الطائف ولم تخرج ثقيف لمواجهتة، وجد النَّبي أنَّ في هذا إهدار للوقت خاصَّة أن ثقيف تمتلك من المؤن ما يكفيها سنةٍ كاملةٍ، فأراد أن يستشير الصَّحابة في أمر استمرار حصار الطائف قبل أن يقدم على أي قرار.
فأشارعليه نوفل بن معاوية بأنَّ تحصن ثقيف في الطائف أشبه بثعلبٍ في حجره، فإن صبرت في باب الحجر نلت ما تريد، وإن تركته لم يستطع هذا الثَّعلب أن يلحق فيك الضَّرر،
وعند سماع النبي لهذا الرأي الحكيم قرَّر فك حصار الطائف والرَّحيل عنها. فطلب أحد الصَّحابة من النبي أن يدعو على قبيلة ثقيف جراء ما فعلته بهم، وثبت في صحيح التِّرمذي أنَّ النبي دعا لهم بالهداية، وقد ورد حديثٌ بلفظ “الَّلهمَّ اهدِ ثقيفًا وأتِ بهم”، ولكن ورد أيضاً عن هذا الحديث بهذا اللفظ أن إسناده لا يصح.
الحكمة من فك حصار الطائف
رفع الرسول -عليه الصلاة والسلام- الحصار عن مدينة الطائف لمَّا عرف أنّ َ لديهم الكثير من المؤن والمواد الغذائية، وترك استسلامهم إلى مدة من الزمن بعد حصارهم لمدّة، بسبب حُصونهم المنيعة، وتوفُّر الموؤؤن الغذاء عندهم، وأيضا بلغت طول مُدة بُعد الصحابة عن المدينة قُرابة شهرين وقُرب حُلول شهر ذي القعدة، وهو من الأشهُر الحُرُم، وانتشار الدين الإسلامي في ثقيف.
وانتدب الرسول مالك بن عوف بعد إسلامه على من أسلم من قومه، وضيّق عليهم الخناق، فأعلنوا إسلامهم. ومن حكمة رفع النبي حصاره عن مدينة الطائف؛ مخافة فقد عددٍ كبيرٍ من جيش المُسلمين؛ بسبب ما سيقع من القتال وإجهاد الصحابة ولتعليم الأُمّة الاسلامية الشورى، وترك النبي الاختيار لقادة المُسلمين.
طلب بعض الصحابة من النبي الدُعاء على ثقيف، لكنّه دعا لهم بالهداية ولم يدعُ عليهم،وذلك يُبيّن رحمته بهم، بالرغم ممّا لاقاه منهم وإيذائهم له عندما عرض عليهم الدخول في الإسلام، ويُبيّن صبر الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وأخذه بأسباب النجاح، وقياس الأمور والمقارنة بين الخسائر والنجاحات.
عودة البعض إلى القتال
عندما أعلن النبي صلى الله عليه وسلم رفع الحصار عن الطائف والرَّحيل قاصداً المدينة، طلب من عمر بن الخطاب أن يؤذن بالنَّاس قائلًا أنَّهم سيذهبون في الغد إلى منازًلهم كي يهيِّئوا أنفسهم للرَّحيل عن الطائف.
لكن ثَقُل هذا الأمر على عدد من الصَّحابة واستنكروا العودة والقفول من غير أن يفتحوا الطَّائف. فأخبرهم الرسول أن بإمكانهم العودة إلى المعركة والقتال إن شاؤوا عندما قال لهم: “اغْدُوا علَى القِتَالِ”،فعادوا للمعركة والقتال وإذ بهم يعودون إلى الرسول وقد أصيبوا بالعديد من الجراح، فأمرهم عندها النبي بالرَّحيل، أطاعوا أمر الرسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- والنبي يضحك ويبتسم.
مواقف حكيمة في تقسيم الغنائم
كما أشرنا في غنائم غزوة “حنين” ، والتي كانت سبب غزوة “الطائف” وحصار تلك المدينة التي فر إليها المشركون، و معظم فلول هوازن وثقيف دخلوا الطائف، فقد تعددت مواقف الرسول، رغم اشتداد أذى الأعراب وكثرة طلبهم نصيبهم، وذلك لحداثة عهدهم في الاسلام وأيضاً نفاق البعض منهم، ومن أهم مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم:
تأليف القلوب: عاد النبي من غزوة الطائف، إلى الجعرانة، حيث ترك النبي السبي فأحصاه، وقسمه، وخص كثير من الذين دخلو بالإسلام، بل وخص النبي غير المسلمين من سادات قريش لتأليف قلوبهم، منهم أبوسفيان الذي جعل له مائة من الأبل و أربعين أوقية ذهب، وابنه معاوية ويزيد.
وكذلك حكيم بن حزام الذي طلب زيادة في نصيبه فقال له النبي:«يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفُلى» وهذه الأموال كانت آخر ما قبلها حكيم في حياته.
كما أعطى الرسول عليه الصلاة والسلام عيينة بن حصن 100 من الإبل، وكذلك أعطى الأقرع بن حابس وصفوان ابن أمية الذي منحه شعبا مملوءا نعما وشاء، فقال له صفوان بن أمية : ما طابت بمثل هذا نفس أحد، وكان سبب إسلامه.
وكان النبي يقصد من هذه العطايا تأليف وجمع القلوب على الدين، وهذا من ضروب السياسة الدينية حتى جعل من الصدقات قسما للمؤلفة قلوبهم.
قد عاد ذلك العمل بفائدة كبيرة جداً، فإن عدد كثيرين ممن أعطوا ولم يكونوا أشربوا في قلوبهم حلاوة الإسلام صاروا بعد من أعظم المسلمين نفعا كمعاوية بن ابي سفيان وصفوان بن أمية، والحارث بن هشام وغيرهم.
نتائج غزوة حصار الطائف
رغم عدم تمكن المسلمين من فتح مدينة الطائف المحصنة، واستشهاد 12 منهم.وجرح عدد منهم بسبب هجمات أهل الطائف، إلا أن النتيجة كانت انتصار للمسلمين.
الدروس المستفادة من غزوة الطائف
كانت غزوة حنين والطائف بهما العديد من الدروس المستفادة، أهمها:
- – إعلاء كلمة الحق واليقظة والمجاهدة في رد الاعتداء على المسلمين.
- – كان النبي صلى الله عليه وسَلم قدوة في شجاعته ولو وقف وحيداً في الميدان، وقدوة في الزهد والتخلي عن كل غنيمة بل وردها..
- – عبقرية النبي العسكرية: استخدم النبي في تلك الغزوة المنجنيق والدبابة للمرة الأولى، ولم تكن معروفة قبل ذلك بجزيرة العرب، كما استخدم الحرب النفسية ضد الطائف بإحراق نخيلهم.
- – رحمة النبي وعفوه: هل رأيت قائد معركة يخرج منها داعيا الله أن يهد خصومه؟! وبالفعل توقف عن حرق نخيلهم وترك لهم حصون الطائف أملا بِلين قلُوبُهم.
- – حكمة وعدل الرسول في توزيع الغنائم: راجع ما فعله مع المسلمين الجدد والمشركين والأعراب والأنصار.
- إحالة كل نصر للمولى عز وجل والثناء على توفيقه للمسلمين: كان الرسول عائدا من ذلك الفتح يذكر الله ويعلمه صحابته.
- – التأهب المستمر: كانت أيام قليلة او أسابيع هي ما تفصل بين الغزوات الكبرى في نهاية حياة النبوي ومع ذلك لم يفتر القلب ولا الجسد عن الجهاد في سبيل الحق.
الخلاصة
غزوة الطائف وهذه الغزوة في الحقيقة هي مكملة ل غزوة حنين، حيث أنهُ بعد هزيمة المشركين على يد جيش المسلمين في غزوة حنين، معظم فلول هوازن وثقيف دخلوا الطائف مع قائدهم مالك بن عوف،فأراد النبي صلى الله عليه وسلم دخول مدينة الطائف التي تحصنت فيها ثقيف، واستعصت عليه وحاصر الطائف لفترة قبل أن يقرر الرحيل، ويدعو لأهل الطائف بالهداية.