أحداث صلح الحديبية وشروطه التي عقدت بين رسول الله والمشركين

الْحُدَيْبِيَة هِي مِنْطَقَة بِجِوَار مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ، لَا تَبْعُدْ عَنْهَا كَثِيرًا، وَ صلح الحديبية هُوَ عَقْدُ أَبْرَمَه رَسُولُ اللَّهِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِمَثَابَة هُدْنَة أَوْ صُلْحٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ لَم يتوقفوا عَنْ الْقِتَالِ وَحَفِظ الدِّمَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَكَان الِاتِّفَاقِ أَنَّ يُحْتَفَظ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ بِالْهُدْنَة حَتَّى عَشْرِ سَنَوَاتٍ ، لَكِن سُرْعَانَ مَا نَقَضَتْ قُرَيْشٌ الْهُدْنَة.
.لماذا سمي صلح الحديبية بهذا الإسم؟
هُنَاك آرَاءٍ فِي سَبَبِ تَسْمِيَةِ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ بِهَذَا الِاسْمِ ، وَهُنَاك اخْتِلَافَاتٌ فِي تَسْمِيَتِهِ مَنْ الْأَسَاس ، فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ قَالَ إنَّهُ الصُّلْح ، وَمِنْهُ مَنْ رَوَى أَنَّهُ الْحُدَيْبِيَة ، وَكَانَ مِنْ الْأُولَى جَمْع الِاسْمَيْن مَعًا فَقِيل “صلح الحديبية” وَلِأَنَّهُ عَقْدُ فِي مَنْطِقِهِ الْحُدَيْبِيَة ، مَع الرَّغْمِ مِنْ هَذَا هُنَاك بِضْع مِنْ الْعُلَمَاءِ يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ “غزوة الحديبية”
.
وقد روى البخاري رحمه الله عن رسول الله صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم “وسار النبيُّ -صلّى الله عليه وسلّم- حتى إذا كان بالثَّنِيَّةِ التي يَهْبِطُ عليهم منها، برَكَتْ به راحلتُه، فقال الناس: حلْ حلْ، فأَلَحَّتْ، فقالوا خَلَأَتِ القَصْواءُ، خلَأَتِ القصواءُ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ما خلَأَتِ القصواءُ، وما ذاك لها بخُلُقٍ، ولكن حبَسَها حابسُ الفيلِ، ثمّ قال: والذي نفسي بيدِه، لا يَسْأَلُونَنِي خطةً يُعَظِّمون فيها حرماتِ اللهِ إلّا أَعْطَيْتُهم إيَّاها، ثمّ زجَرَها فوثَبَتْ، قال: فعَدَلَ عنهم حتى نزَلَ بأقصى الحديبيةِ على ثَمَدٍ قليلِ الماءِ، يَتَبَرَّضُه الناسُ تَبَرُّضاً، فلم يَلْبَثْه الناسُ حتى نَزَحُوه”
“رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ و مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ ، الصَّفْحَةِ أَوْ الرَّقْم : 2731 ، حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
“
عمرة الحديبية
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَوَاتُ رَبِّي وَتَسْلِيمُه عَلَيْهِ فِي شَهْرِ ذُو الْقِعْدَةِ أيدى الْعُمْرَة ، وَاَلَّتِي أُطْلِقَ عَلَيْهَا “عمرة الحديبية” لِمَا وَقَعَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَحْدَاثِ وَقْتِهَا ، وَخَرَجَ مَعَ الرَّسُولِ أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَقِيل أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ وَكَانَتْ مَعَهُ زَوْجَتِه “أم سلمة” وَتَرَك الرَّسُول الْمَدِينَة تَحْتَ لِوَاءِ “عبد اللَّهِ بْنِ أُمِّ مكتوم” الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى “عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)” كَمَا رَوَت “السيدة عائشة” رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
مفاوضات صلح الحديبية
تَوَقَّف الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ مِنْطَقَة “ذي الحليفة” وَهِي مَنْطِقُهُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ ، وأحرموا لِلْعُمْرَة بِهَا ، وَوَصَل الْخَبَر وَقْتُهَا إلَى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ ، فتأهبوا لِمُوَاجَهَة الْمُسْلِمِين وَمَنْعُهُمْ مِنْ الدُّخُولِ ، وَحِين اِقْتَرَب المعتمرون مِنْ مَكَّةَ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ بِذَلِكَ ، وَقَرَّرَ أَنَّ يَسْلُكَ طَرِيقًا آخَرَ غَيْرِ الطَّرِيقِ الرَّئِيسِيّ الَّذِي تَقِفُ فِيهِ حُشُودٌ قُرَيْش .
لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ لَهُ رَأْيٌ آخَرَ ، و تَوَقَّفَت الْقَافِلَة وَالْبَعِير الَّتِي فِيهَا عَنْ السَّيْرِ ، وَقَال الصَّحَابَة لِلْبَعِير . “حل حل”أي تَحَرَّك مِن مَكَانَك فَتَحَرَّكَت البعير* ، فَقَالُوا : “خلأت* الْقَصْوَاء ، خَلَأَت القصواء” والقصواء هُوَ لَفْظُ يُطْلَقُ عَنِ النَّاقَةِ الَّتِي تَوَقَّفَتْ عَنِ الْخِدْمَةِ ، أَوْ الَّتِي أَوْقَفَهَا صَاحِبُهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلوات رَبِّي وَتَسْلِيمُه عليه- : (ما خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بخُلُق ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ ، ثُمَّ قَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خطّة يعظّمون فِيهَا حُرُمَاتُ اللَّهِ إلَّا أَعْطَيْتهمْ إياه) ،
وَعِنْد إكْمَال الْقَافِلَة لِلطَّرِيق الرَّئِيسِيّ جَاءَ رَسُولُ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانَ “بديل بْنِ وَرْقَاءَ الخزاعي” فَقَال لِلرَّسُول صَلّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَن قُرَيْش لَن تتركك تَدْخُلَ مَكَّةَ وَ سيقاتلونكم ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جِئْنَا لِقِتَال ، وَتَعَدَّدَت رَسُول قُرَيْش وَتَكَرَّر نَفْسٍ قَوْلُ الرَّسُولِ صَلّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .
تَوَقَّف الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ مِنْطَقَة “ذي الحليفة” وَهِي مَنْطِقُهُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ ، وأحرموا لِلْعُمْرَة بِهَا ، وَوَصَل الْخَبَر وَقْتُهَا إلَى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ ، فتأهبوا لِمُوَاجَهَة الْمُسْلِمِين وَمَنْعُهُمْ مِنْ الدُّخُولِ ، وَحِين اِقْتَرَب المعتمرون مِنْ مَكَّةَ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ بِذَلِكَ ، وَقَرَّرَ أَنَّ يَسْلُكَ طَرِيقًا آخَرَ غَيْرِ الطَّرِيقِ الرَّئِيسِيّ الَّذِي تَقِفُ فِيهِ حُشُودٌ قُرَيْش .
لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ لَهُ رَأْيٌ آخَرَ ، و تَوَقَّفَت الْقَافِلَة وَالْبَعِير الَّتِي فِيهَا عَنْ السَّيْرِ ، وَقَال الصَّحَابَة لِلْبَعِير . “حل حل”أي تَحَرَّك مِن مَكَانَك فَتَحَرَّكَت البعير* ، فَقَالُوا : “خلأت* الْقَصْوَاء ، خَلَأَت القصواء” والقصواء هُوَ لَفْظُ يُطْلَقُ عَنِ النَّاقَةِ الَّتِي تَوَقَّفَتْ عَنِ الْخِدْمَةِ ، أَوْ الَّتِي أَوْقَفَهَا صَاحِبُهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلوات رَبِّي وَتَسْلِيمُه عليه- : (ما خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بخُلُق ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ ، ثُمَّ قَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خطّة يعظّمون فِيهَا حُرُمَاتُ اللَّهِ إلَّا أَعْطَيْتهمْ إياه) ،
. وَحِين اِقْتَرَب الرَّسُول وَرَأْي أَن قُرَيْشٍ لَا تَزَالُ مَكَانَهَا وَتُرِيد الْقِتَال ، أَرْسَل خِرَاشُ بْنُ أُمَيَّةَ يُوَضِّح وَجْهَه الرَّسُول ، وَإِنَّهُ جَاءَ لِيَعْتَمِر ، وَمَا جَاءَ لِقِتَال ، لَكِن قُرَيْش أَرَادَت قُتِل خِرَاشُ بْنُ أُمَيَّةَ ، إلَّا أَنْ الْأَحَابِيش أوقفتهم عَنْ ذَلِكَ ، فَعَادَ إلَى الرَّسُولِ وَأَخْبَرَهُ بِمَا جَرَى .
وَهُنَا أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ يَذْهَبَ إلَى قُرَيْشٍ ، لَكِنَّ عُمَرَ طَلَبَ مِنْهُ أَنَّ يَذْهَبَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَدَيْهِ أَحَدٌ مِنْ بَنِي قَوْمِه لِيَحْتَمِيَ بِهِ ، عَلَى خِلَافِ عُثْمَان الَّتِي لَا يَزَالُ لَدَيْه عَشِيرَتِهِ فِي مَكَّةَ ،
وَانْطَلَق عُثْمَانُ إلَى مَكَّةَ ، وَكَان يُرِيدُ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَا جَاءَ لِقِتَال ، وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ فِي مَكَّةَ بِإِظْهَار أَمَانِهِم فَقَد حَانَ وَقْتُ الْفَتْح ، كَمَا يُخْبِرُهُمُ أَنَّهُ جِدَاء فَقَط لأِداءِ مَناسِكِ الْعُمْرَة لدعوتهم لِلْإِسْلَام ، وَلَا يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ قِتَالُ .
وَعِنْدَمَا كَانَ عُثْمَانُ فِي الطَّرِيقِ قَابِل جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا يُرِيدُ ، فَأَخَذُوه إلَى سَادَتُهُم ، وَعِنْدَمَا أَخْبَرَهُمْ بِمَا جَاءَ لَهُ ، عُرِضَت قُرَيْشٌ عَلَى عُثْمَانَ أَنَّ يَطُوفَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ، وَقَد رَفَض عُثْمَانُ هَذَا ، واحتجزت قُرَيْش عُثْمَان فَتْرَةً طَويلَةً ، حَتَّى قَالَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ قَدْ قُتِلَ مِنْ قُرَيْشٍ غَدَر لَهَا ، وَشَاعَ بَيْنَهُمْ الْخَبَر .
بيعة الرضوان
عِنْدَ وُصُولِ شَائِعَةٌ مَقْتَلِ عُثْمَانَ للمصطفى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَتَسْلِيمُه عَلَيْه ، بَايَعَ أَصْحَابَهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ، وَسُمِّيَت “بيعة الرضوان” وَهِيَ مِنْ أَهَمِّ إحْدَاث صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ الْبَيْعَة أَحَدٌ غَيْرُ “الجد بْن قيس” وَبَعْد إتْمَام الْبَيْعَة عَلِم الرَّسُولِ أَنْ عُثْمَانَ رَاجِعٌ إلَيْهِم ، وَأَخْبَر قَتَلَه زَائِفٌ .
وَكَانَ الصَّحَابَةُ يُرَدُّون الطَّوَاف حَوْلَ الْكَعْبَةِ مَعًا جَمِيعًا فِي أَنَّ وَاحِد ، وَلَمَّا عَلِمُوا بِعَوْدِه ابوعفان ، ظَنُّوا سَوَاءٌ أَنَّهُ قَدْ نَال مُرَادُه وَطَاف مُنْفَرِدًا حَوْلَ الْكَعْبَةِ ، لَكِن الرَّسُول أَوْقَفَهُم عَنْ مَا يَدَّعُونَ ، مُؤَكّدًا عَلَى أَهَمِّيَّة حُسْنِ الظَّنِّ ، وَأَنَّ مِنْهُمْ عَلَى أَيِّ حَالَ ، وَعَاد عُثْمَان ، وَقَالُوا لَهُ أَنَّهُ طَافَ حَوْلَهَا ظَنًّا مِنْهُمْ بِهَذَا ، وُرُود عُثْمَانَ وَهُوَ يُخَاطِبُهُم قَائِلًا ، وَاَللّهِ لَنْ مكطوف بِهَا قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَرَدُّوا عليهأن رَسُولُ اللَّهِ قَدْ ظَنَّ بِهِ الْحُسْنَى .
.
وروى أن البيعة سميت الرضوان لأن الله تعالى أنزل قرآن يدل على رضاه عن المسلمين الذين بايعوا رسول الله،عندما قال الله تعالى “لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا”وقيل بيعة الشجرة،اقتداء لكونها وقعت تحت شجرة في الحديبية.
فضل بيعة الرضوان
نَزَل قُرْآنٍ يُتْلَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي تَمْجيد مِنْ بايع رَسُولَ اللَّهِ صَلّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى “إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّـهَ يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ” فَمَا أَعْظَمَ أَنْ تُبَايِعَ اللَّهُ تَعَالَى .
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ “لمّا كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُبَايِعُون رَسُولُ اللَّهِ -صلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم- بِأَيْدِيهِم ، وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ ، كَان وسيطاً بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَهُم ؛ فإنّ مبايعتهم كَانَتْ لِلَّهِ -تعالى- ، وإنّه -سبحانه- فَوْقَ السَّمَوَاتِ عَلَى عَرْشِهِ ، وَفَوْق الْخَلَائِق كلّهم ، كَانَتْ يَدُهُ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ، كَمَا أنّ اللَّه شرّفهم بِهَذِه الْبَيْعَة ، فَقَدْ رَضِيَ عَنْهُم ؛ إِذْ قَالَ -تعالى -: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ)”
روى عن جابر بن عبد الله قال: “قالَ لَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ: أنتُمْ خَيْرُ أهْلِ الأرْضِ وكُنَّا ألْفًا وأَرْبَعَ مِئَةٍ، ولو كُنْتُ أُبْصِرُ اليومَ لَأَرَيْتُكُمْ مَكانَ الشَّجَرَةِ”
شروط صلح الحديبية
عندما اقترب الرسول من الكعبة،أرسلت قريش رسولا لمنعه من الدخول، وأرسلت أيضا سهيل بن عمرو لإبرام عقد صلح الحديبية مع رسول الله،وكانت شروط صلح الحديبية على النحو التالي:
- أن لا يدخل الرسول مكة هذا العام،إن أراد يدخلها في السنة القادمة، أي السنة السابعة هجرية.
- أن يتم إيقاف المعارك والغزوات بين المسلمين والمشركين بهدنة مدتها 10 أعوام.
- يسمح لمن أراد أن يؤمن بإعلان إيمانه، كما يسمح لمن أراد أن ينضم إلى قريش بإعلان ذلك،وأن من ينضم إلى أحد الفريقين،فهو جزء منه،وأي تعدي عليه يعد تعدي على الفريق كله.
- أن من يذهب هاربا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قريش بدون أن يؤذن له،فعلى ارسول اعادته،وأنمنيفر من الرسول إلى قريش فعلى قريش فعل نفس الشئ.
كيفية كتابة العقد
أمر رسول الله ابن عمومته على بن ابى طالب أن يكتب العقد،وقال صلى الله عليه وسلم الحديث الشهير في كتابة المعاهدات “اكتُبْ بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ)، فقال سُهيلُ بنُ عمرٍو: لا نعرِفُ الرَّحمنَ الرَّحيمَ، اكتُبْ باسمِك اللَّهمَّ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِعليٍّ: (اكتُبْ هذا ما صالَح عليه محمَّدٌ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)، فقال سُهيلُ بنُ عمرٍو: لو نعلَمُ أنَّك رسولُ اللهِ لاتَّبَعْناك ولم نُكذِّبْك اكتُبْ بنَسَبِك مِن أبيك، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِعليٍّ: (اكتُبْ محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ) فكتَب: مَن أتى منكم ردَدْناه عليكم ومَن أتى منَّا ترَكْناه عليكم، فقالوا: يا رسولَ اللهِ نُعطيهم هذا؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (مَن أتاهم منَّا فأبعَده اللهُ، ومَن أتانا منهم فردَدْناه جعَل اللهُ له فرَجًا ومخرَجً”
فرار جندل بن سهيل من قريش وموقف الرسول
أثناء الولوج في كتابة عقد صلح الحديبية، هرب جندل بن سهيل من قريش وظلمها له لغيره، فقال رسول قريش أن هذا ينقض العهد بينهم، وأنه يجب على رسول الله أن يعيده إليهم، لكن رسول الله ابى ذلك،وقال العقد لم يبرم بعد.
لكن رسول قريش أبى ذلك،وقال إلا أن يرجع أو يفض الصلح، وخوفا على سفك الدماء،أمر رسول الله جندل بالعودة،وأوصاه بالصبر و كل من معه من المؤمنين،وعادة جندل، وأمره أن يخبر جميع المؤمنين بصلح الحديبية يطمئن على دينهم و يفرحوا بما آتاهم الله من فضله، وذهب عمر بن الخطاب معه،يشدد على عضديه ويصبره على ما هو عليه،وأن من أهل الحق.
وعاد عمر يقول لرسول الله وهو رافضا لصلح الحديبية،يا رسول الله انهم على باطل ألسنا على حق،لكن الرسول قبل الصلح،وأصر عمر على موقفه،حتى قال رسول الله صل الله عليه وسلم “أنا رسول الله ولست أعصيه”لا فعلم عمر أن هذا هو أمر الله،وأن رسول الله يمتثل لأوامر الله تعالى.
وقال ابن الخطاب إنا جئنا للطواف حول الكعبة، فقال الرسول سنفعل العام القادم ان شاء الله،وذهب عمر إلى أبى بكر الصديق،وعاد ما قاله للرسول،ورد الصديق قائلا “أيُّها الرَّجُلُ إنَّه لَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وليسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وهو نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بغَرْزِهِ، فَوَاللَّهِ إنَّه علَى الحَقِّ”
سبب تسمية صلح الحديبية “بالفتح المبين”
لقد ورد في القرآن آيات تتلى إلى يوم القيامة حيث قال تعالى “إنّا فتحنا لك فتحا مبينًا” وقبل نزول هذه الآية وبعد الحزن والهم الذي صاحب أصحاب رسول الله لظنهم أنهم هم الخاسرون في صلح الحديبية، إلا أن رسول الله بعلمه الواسع بخبايا الأمور،كان يعرف ما ستؤول له الأمور،من دخول أفواج كبيرة في الإسلام.واعتراف قريش بالدولة الإسلامية لأول مرة،وزلزلة القبائل المؤيدة لقريش.
أمر رسول الله صل الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم أن يحلوا من الإحرام، لكن لم يبادر أحد بفعل ذلك حتى كررها الرسول ثلاث، ولم يبدأوا حتى بدأ رسول الله قبلهم بالإحلال من الإحرام، وحين عودتهم إلى المدينة نزلت على رسول الله سورة الفتح
وقد كان يملأه الحزن،وحينها انقلب حزنهم إلا سعادة وفرح،وتيقنوا أن الأمر كله لله، وأنه يجدر بهم التسليم لقضاء الله، وكانت هذه السورة سببا من الله لتفريغ همومهم،وتبشيرهم بالفتح القريب، قال صلى الله عليه وسلم “لقد أنزلت علي الليلة سورة، لهي أحب إلي ممّا طلعت عليه الشمس، ثمّ قرأ: إنّا فتحنا لك فتحا مبينًا”
هروب المهاجرات النساء من قريش
سبق وقلنا أن الرسول أمر الصحابة أن يحللوا من الإحرام حلق رؤوسهم والذبح والنحر، لكنهم صمتوا جامدينم في مكانهم،واحتار رسول الله معهم،فسأل أم سلمة زوجته عما يفترض به أن يفعل، واقترحت عليه أم المؤمنين أن يبدأ هو بالحلق والذبح،فلما فعل بدأ الصحابة تتابع وراءه،وامتثالا لأوامره صل الله عليه وسلم.
وعند رجوع قافلة المسلمين إلى المدينة المنورة جاءت نسوة مهاجرات من مكة إلى المدينة،وكان عقد الحديبية يحتم عودة إلى قريش، لكن الله تعالي أنزل قرآن من فوق سبع سموات فيهم فقال تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ”.
وبعد وقت ذلت قريش بعد عزتها،وتخلت عن الكثير من قسوتها،وشروطها، وهاج الناس إلى الإسلام أفواجا أفواجا،واعتزت الدولة الإسلامية بعد أن كانوا مستضعفين.
نتائج صلح الحديبية
- إقرار قريش بوجود الدولة الإسلامية،وإقرارها على المعاهدة
- إذلال غرور الكفار والمشركين والمنافقين
- علم المشركين بقوة الدين الإسلامي ونصرته عاجلا أم آجلا
- إنهاء أمر اليهود في غزوة خيبر بعد أن أمن المسلمون قريش.
- معرفة حلفاء قريش أن المسلمين جاءوا معتمرين لا معتدين
- هيئ صلح الحديبية الدعوة خارج شبه الجزيرة العربية والتي بدأت بتجهيز غزوة مؤتة
- انشغال الرسول واستغلاله للصلح، بأن يرسل إلى ملوك الروم والفرس والأقباط يدعوهم إلى دين الله الإسلام.
- كان سبب فتح مكة الرئيسي،وهذا أهم نتائج صلح الحديبية.
عمرة القضاء
انطلقت قافلة رسول الله ومعه ألفان من أصحابه قاصدين الكعبة يعتمروا بها،وكان معهم سلاح بمقدار عدة حروب،كأنهم ذاهبون إلى غزوة،مع أن سلاح المسافرين يكفي، لكنه كان حرص من رسول الله على صحابته،ومن ردة فعل المشركين.
وكانت قريش في وقت لو هزيمة،ولما رأوا القوة الإسلامية الهائلة والسلاح الذي معهم، هرولوا إلى زعمائهم وأرسلوا للرسول صل الله عليه وسلم وفدا بقيادة مِكرز بن حفص، فلما لقوا رسول الله قالوا “يا محمد؛ والله ما عرفناك صغيرًا ولا كبيرًا بالغدر.. تدخل بالسلاح الحرم على قومك، وقد شرطتَ ألاَّ تدخل إلاَّ على العهد، وأنه لن يدخل الحرم غير السيوف في أغمادها؟” فأكد عليه رسول الله أنهم جاءوا إلا معتمرين.
وقد كان في مقدور رسول الله الإنتقام مما فعلوه به وبالدعوة وبالمؤمنين سابقا،إلا أنه لزم عهده،ودخل مكة ومعه 200 فارس يحمونه فقط، ودخل الكعبة ومعهم سلاح المسافر فقط، وكان يشترط في عقد صلح الحديبية أن يبقوا لقضاء مناسك الحج،ولا يوجد أحد من المشركين في مكة،وبالفعل بقفي الكفار على أطراف الجبال يشاهدون المسلمين ثلاث أيام وهم يقضون مناسك العمرة