خطبة عيد الأضحى المبارك 1446هـ

يوم عيد الأضحي المبارك يوم من الأيام المباركة، اختصه الله عز وجل بفضائل عظيمة، خطبة عيد الأضحي ليست مجرد خطبة تُقال بعد تكبيرات وصلاة العيد، تذكّرنا من نحن، وأين نحن ذاهبون، وماذا ينبغي أن نقدمه في طريقنا إلى الله، فليكن عيدنا طاعة، وفرحتنا عبادة، ولحظاتنا مليئة بالتقوى والمغفرة.
العيد شكرٌ لله على النعمة
من أولى معاني الخطبة في عيد الأضحى أن تذكر الناس بأن العيد شكر لله على النعمة، ففي نهاية أيامٍ عظيمة، عاش فيها الحجاج مشاعر التوبة والخشوع على جبل عرفات، وشاركهم المسلمون حول العالم بالصيام والدعاء، جاء هذا العيد تتويجا لهذه الطاعة، وفرصة لتجديد العهد مع الله.
يُذكر في الخطبة أن الشكر ليس فقط بالكلمات، بل هو عملٌ، وسلوك، وخشية من الله، وتواضع بين الناس، فالمال الذي نذبح به الأضاحي، والصحة التي نخرج بها إلى المصلى، والفرحة التي نعيشها مع أهلنا، كلها نعمٌ تستحق الحمد والثناء.
حكم خطبة عيد الأضحى
خطبة عيد الأضحى سنة مؤكدة، وليست واجبة.
وهذا يعني أن أداءها مستحب، ومن السنن المؤكدة التي فعلها النبي ﷺ وواظب عليها، لكن لا يأثم من تركها، بخلاف خطبة الجمعة التي تُعتبر شرطًا من شروط صحتها ولا تُجزئ الصلاة بدونها.
وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ صلى العيد قبل الخطبة، ثم خطب الناس، وقال:
“إنا نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب”
[رواه أبو داود].
وهذا يدل على أن حضور الخطبة بعد صلاة العيد ليس إلزاميا، بل هو مستحب.
متى تكون الخطبة؟
تبدأ خطبة عيد الأضحى بعد صلاة العيد مباشرة، يُصلي المسلمون صلاة العيد أولا، وهي عبارة عن ركعتين مع تكبيرات العيد، ثم تليها الخطبة.
بعد إتمام الصلاة، يعتلي الإمام المنبر ليخطب بالناس، تكون الخطبة عادة من خطبتين:
- الخطبة الأولى: تتحدث عن فضائل العيد، وأحكام الأضحية، وتذكر الناس بالتقوى.
- الخطبة الثانية: بعد الجلسة القصيرة، وهي غالبا ما تشمل دعاء وتوجيها للمسلمين.
هل يُمكن تأخير الخطبة؟
يفضل أداء خطبة عيد الأضحى بعد الصلاة مباشرة، ولكن إذا تأخرت الخطبة بسبب ظروف معينة، مثل حضور الإمام متأخرا أو ظروف غير متوقعة، يمكن أن تُؤدى في وقت لاحق من اليوم بشرط أن تكون قبل زوال الشمس، أي قبل وقت الظهر.
قصة الفداء
لا تكتمل خطبة عيد الأضحى دون أن يُعاد على المسامع قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل، التي تجسد قمة الطاعة، والتسليم الكامل لأمر الله.
حين رأى إبراهيم في المنام أنه يذبح ابنه، لم يتردد في الامتثال، ولم يجادل، بل قال: “يا بُنَيّ إني أرى في المنام أني أذبحك، فانظر ماذا ترى”، وجاء الرد الإيماني من الابن الصالح: “يا أبتِ افعل ما تؤمر، ستجدني إن شاء الله من الصابرين”.
وتؤكد الخطبة هنا على أن التضحية ليست مجرد ذبحٍ للأضحية، بل هي استعداد دائم لبذل الغالي والنفيس في سبيل الله، سواء كان مالا، وقتا، أو حتى راحة النفس، إن كان ذلك يُرضي الله.
محتوى خطبة عيد الأضحى
تتكون الخطبة من خطبتين يبدأ فيها الشيخ بالصلاة على النبي وذكر التكبيرات
الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر .
الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .
الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه.
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون، سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته، أهنئكم بعيد الأضحى المبارك، عيد الفداء والتضحية، الذي يوافق اليوم العاشر من ذي الحجة، الذي هو يوم عيد المسلمين في كل مكان، هذا اليوم الذي اختصه الله بفضائل عظيمة، وشرع فيه الأضحية كإحياءٍ لسنّة نبي الله إبراهيم عليه السلام، الذي ثبت على إيمانه وطاعته لأمر ربه، فلم يتردد في تقديم أغلى ما يملك، فلذة كبده إسماعيل عليه السلام، تنفيذاً لأمر الله سبحانه وتعالى.
وقد قال تعالى في كتابه العزيز:
“إِنَّ صَلاةِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَـٰلَمِينَ” [الأنعام: 162].
هذه الآية تذكّرنا بأن كل عمل نقوم به في حياتنا يجب أن يكون لله، سواء كان عبادة أو عملًا دنيويًا، فلنحتسب الأجر في كل ما نقوم به.
أيها الأحبة في الله، إن عيد الأضحى ليس مجرد احتفال أو فرحة مادية، بل هو فرصة للتوبة والرجوع إلى الله لقد فرض الله علينا الأضحية في هذا اليوم لتكون ذكرى لتضحية إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، وتذكيرا لنا بأن التضحية في سبيل الله هي أعلى درجات الإيمان.
وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم:
“فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ” [الكوثر: 2].
أيها المسلمون، الأضحية ليست مجرد ذبح، بل هي رمز للطاعة والتضحية لله، والنية الصادقة في الاقتراب من الله.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل لنا الأعياد فرحًا وسرورًا، وجعلها أيامًا نذكر فيها فضله ونعمه، ونشكره على ما قدم لنا من نعم عظيمة، نحمده سبحانه وتعالى، ونشكر له فضله الذي لا يُعد ولا يُحصى، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، أوصيكم ونفسي المقصره بتقوى الله، وأن تكثروا من ذكره وتكبيره في هذه الأيام المباركة. قال تعالى:
“وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ” [البقرة: 203].
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون، في هذه الأيام المباركة، يتعين علينا أن نُحسن التصرف في حياتنا، وأن نواجه تحديات الحياة ومصاعبها بالإيمان الكامل بالله، واليقين في قدره، في عالم مليء بالفتن والمشاكل، لا يستطيع الإنسان الثبات إلا بقوة الإيمان، والالتزام التام بما أمر الله به، والتسليم لقدر الله.
إن المؤمن الذي يتمسك بدينه ويحافظ على عباداته في الأوقات الصعبة، هو من يظل ثابتا في مواجهة تقلبات الحياة، كما أن المرأة المسلمة التي تعيش بإيمان وثقة بالله، وتقوى على أداء العبادات، هي التي تُعين نفسها على مواجهة ما يواجهها من صعوبات.
وعلى الأم المسلمة أن تزرع في قلب أولادها الإيمان الراسخ بالله، وتعلمهم الصبر واليقين في مواجهة الحياة، وأن تدلهم على طريق الاستقامة والصبر، كما قال الله تعالى:
“يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ” [إبراهيم: 27].
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها الناس، اليوم هو عيدكم، يوم فرحكم وسرور كم، يوم تلتقون مع أهلكم واحبتكم، فتباركوا و تعانقوا بالمحبة. هو أيضًا يوم برٍّ وطاعة، يوم تهدون فيه من اللحوم، وتستذكرون معاني الفداء والتضحية. تذكروا أن هذا العيد هو أعظم أيام السنة، وأن العبادة فيه تأتي بإراقة الدماء في سبيل الله، وذلك بتقديم الأضاحي، يبدأ وقت الذبح من بعد صلاة العيد ويستمر حتى غروب شمس اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، وهو آخر أيام التشريق.
يوم العيد هو يوم تحرم فيه الصيام، ولذلك فإن أيام التشريق ليست أوقاتا للصيام، بل هي أيام احتفال وفرح، وأيام لإعطاء الصدقات والنفقة، والاحتفاء بنعمة الله. قال تعالى:
“لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلكنْ يَنَالُهُ التَّقوى مِنْكُمْ” [الحج: 37].
فاغتنموا هذه الفرصة في ذبح الأضاحي، والتصدق منها، وأيضًا التهامها مع العائلة، ولا تنسوا إهداء اللحوم إلى من هم في حاجة، فإن الله يحب المحسنين.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أدعية خطبة عيد الأضحى
اللهم اجعل هذا العيد عيدًا سعيدًا مباركًا على الأمة الإسلامية، واجعلنا من أهل الجنة، اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا و أضحيتنا، وارزقنا رضاك والجنة، واغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا، ولمن أحسن إلينا، ولأموات المسلمين أجمعين.
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واجعلنا من الذين يعملون بما يعلمون، واجعلنا من أهل التقوى والورع، اللهم اجعل هذا العيد بداية لكل خير ورحمة.
اللهم آمين، آمين، آمين.