حكم تناجي اثنان دون الثالث وأقسام التناجي في سورة المجادلة

حكم تناجي اثنان دون الثالث لم يختلف عليه أي من أئمة المذاهب أو رجال الدين على الإطلاق، ذلك لأن الإسلام قد جاء ليروض أنفسنا لتكون على خلق سليم وحسن يرضي الله ورسوله ويضمن السلامة للجميع، وفي كثير من الأحيان نجد أن اثنين من الأصحاب يتحدثان سويًا دون مراعاة من حولهم، وهذا الشيء حرمه الدين، وهذا ما سوف نتحدث عنه بالتفصيل في سطور هذا المقال.
حكم تناجي اثنان دون الثالث
لا خلاف بين العلماء في حكم تناجي اثنان دون الثالث لأنه لا يجوز لشخصين أن يتحدثان سويًا وبجانبهما شخص ثالث يجلس معهما في المجلس نفسه، وتحدث الرسول صلوات الله وسلامه عليه عن هذا الأمر في الحديث الشريف “إِذَا كُنتُم ثَلاثَة فَلا يَتَنَاجَى اثنَان دُون الآخَر، حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ مِن أجْلِ أنْ يُحْزنَه”.
والجدير بالذكر أن الشرع قد سمح بالنجوى في حالتين لا ثالث لهما، والحالة الأولى هي أن يأخذان إذن الشخص الثالث بالتناجي، أما بالنسبة إلى الحالة الثانية فهي انضمام شخص رابع فأكثر إلى المجلس.
لكن إن كان المجلس مكون من 3 أفراد فقط حينها لن يجوز التناجي بين الاثنين مطلقًا، ويمكنهما تجنب ذلك عن طريق الاختلاط بالناس أو البحث عن شخص رابع ينضم للمجلس.
وهناك حديث يشرح حكم تناجي اثنان دون الثالث رواه ابن حبان عن أبي صالح عن ابن عمر أن رسولنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه قد قال “لَا يتَنَاجَى اثْنَان دُون صَاحِبهُما، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنَه، قَال أبُو صَالح: فَقلْتُ لابن عُمر: فَأربعَة؟ قَال: ذَلِك لا يَضُرّك”.
قد يهمك: اذا خاصم فجر .. معناه وهل هي من صفات المنافقين فقط؟
حديث لا يتناجى اثنان دون صاحبهما
وبعد أن بينا حكم تناجي اثنان دون الثالث ينبغي أن نشرح بشكل أكثر تفصيلًا حديث لا يتناجى اثنان دون صاحبهما، وهذا الحديث يوضح في المقام الأول إجابة مختصرة لكن من يتساءل عن جواز النجوى في حالة واحدة.
ويبدأ الحديث بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يتناجى اثنان دون صاحبهما”، أي أنه يوضح عموم حكم تناجي اثنان دون الثالث وأنه لا يجوز وأمر يجازى فاعله بعقاب أليم.
فكيف سيكون شعورك إن كنت أنت الشخص الثالث؟، هل كنت سوف تشعر بالراحة أم سوف ينتابك القلق والريبة؟ هذا ما يوضحه لك الرسول في هذا الحديث.
كذلك يبين الحالة الوحيدة التي يباح فيها تناجي اثنان دون الثالث وهي أن يكون هناك شخص رابع مع الجالسين في المجلس، حتى لا يشعر الشخص الثالث وكأنه منبوذًا.

لماذا حرم الإسلام التناجي؟
إن الدين الإسلامي الحنيف قد راعى عدة آداب يجب أن يتحلى بها كل من يقصد مجلسًا من المجالس، وذلك حتى ينتشر السلام والمحبة والرحمة بين الناس وتجنب سوء الظن والشك قدر الإمكان.
ومن بين أهم هذه الآداب مسألة ألا يتناجى اثنان دون الثالث، وذلك منعًا لنشوب الريبة والشك في نفس الشخص الثالث من الشخصين الآخرين.
وكنا قد أوردنا أكثر من حديث شريف يوضح حكم تناجي اثنان دون الثالث بالتفصيل وحرمانية هذا الفعل، وتحدث الإمام النووي رحمة الله عليه عن ذلك وقال أن النهي الوارد في الأحاديث الشريفة “هو نهي تحريم”.
أما بالنسبة إلى الشيخ محمد صالح المنجد حفظه الله فإنه يبيح التناجي في مسألة ثالثة بالإضافة إلى المسألتين اللآتي شرحناها من قبل، وهي أنه من الوارد أن يحضر إليك ضيف وتحتاج إلى الهمس في أذن ابنك أو خادمك لتحضير الطعام على سبيل المثال.
أو أن ابنك يريد إخبارك بشيء أرادت والدته إخبارك به، وفي هذه الحالة يجوز التناجي دون الثالث لأن هذا التناجي لا يثير مفاسد في نفس الضيف وبالتأكيد لن يغضب من ذلك ولن يشك فيك أو في تصرفاتك معه.
فالرسول صلى الله عليه وسلم قد بعثه الله سبحانه وتعالى إلينا كي يحافظ على شعور الناس وأحاسيسهم وليكون رحمة للعالمين، وكي يعلمنا أن المسلم الحقيقي لا يتسبب في أذى نفسي أو جسدي لأخيه المسلم ولا بلسانه ولا بيده.
ومن هذه الأمور هو موضوع التناجي الذي أمر بتجنبه كي تستريح نفوسنا لبعضنا البعض وكي يتجنب المسلم سوء ظنه في أخيه المسلم ويغلق الباب أمام وساوس الشياطين.
قد يهمك: صحة حديث إذا أحب الله عبداً كشف له حقيقة الناس من حوله
معنى يتناجى في الحديث
إن كلمة التناجي في اللغة العربية تأتي من مصدر فعل “يتناجى، تناجى”، وعندما نقول “تناجى التلميذان” أي أن كل واحد منهما أفضى بما في داخله وما يخفيه عن غيره للشخص الآخر.
وعندما نقول أيضًا “تناجت الهموم” أي أن الهموم قد تزايدت في قلب فلان، أما بالنسبة إلى تعريفها في الاصطلاح فإنها أن يقوم شخص ما بالتحدث مع شخص آخر سرًا كي لا يسمعهما الشخص الثالث في المجلس نفسه.
وهذا هو تفسير معنى كلمة “يتناجى” في الحديث الشريف، ونحن قد بينا حكم تناجي اثنان دون الثالث في السطور السابقة بالتفصيل.
أقسام التناجي في سورة المجادلة
أما بالنسبة إلى أقسام التناجي في سورة المجادلة وحكم تناجي اثنان دون الثالث فإن الله سبحانه وتعالى يقول في الآية رقم 9 إلى 11 ما يلي:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ”.
تتحدث هذه الآيات القرآنية عن القليل من آداب المجلس والحديث بين المسلمين، وتشير إلى أن الله عز وجل يحب التناجي بالبر والتقوى لا التناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول صلى الله عليه وسلم.
وتوضح أن للكلام نوعين الأول ما هو مشروع وواجب ومستحب وهو التناجي في حب الله ورسوله ودينه والآخر ما هو حرام ولا يجوز، وهو التناجي فيما يغضب الله، وهي وصية أمرنا بها الله ورسوله في كثير من المواضع في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
ويبرر ذلك الله ويقول “إنما النجوى من الشيطان” وهذا النوع يوضح حكم تناجي اثنان دون الثالث لأن الشيطان يدخل بينهم ويؤذي نفس الشخص الثالث فيحزنه ويجعله يشك في أمره وفي الآخرين.
وتتحدث الآيات عن مرحلة أخرى متقدمة وهي عند قدوم شخص جديد إلى المجلس علينا أن نفسح له مجالًا للجلوس وبما أن الجزاء من جنس العمل فإن الله سبحانه وتعالى سوف يفسح لنا أيضًا، وذلك يكون عن طريق مغفرة الذنوب ورفع درجاتنا في الجنة والكرامة والعزة في الدنيا.

ما الواجب على من كان في مجلس هو الثالث يتناجى الاثنان دونه؟
إن كل من يتعرض لموقف مثل أن يكون جالسًا مع اثنين آخرين، ثم يجد أنهما قد بدأ كل منهما في التحدث مع الآخر بهمس حتى لا يسمعهما عليه أن يصارحهما أولًا بأن هذا الأمر يزعجه بعض الشيء.
وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فلا بأس من أخذ قرار القيام بأحد هذين الأمرين، إما أن يأخذ قرار الانسحاب من المجلس تمامًا، أو أخذ قرار بالبحث عن شخص رابع ينضم إليهم.
وفي كل الأحوال يجب عليه أن يذكرهما بحكم تناجي اثنان دون الثالث ويستشهد بالحديث الشريف الذي تحدثنا عنه من قبل، وذلك حتى ينتصر على وساوس الشياطين ويحفظ قلبه من الشك.
كذلك عليه أن يحسن النية والظن ولا يسيء الظن فيهما، فربما يتحدثان في أمر في غاية الخطورة ولا يريدان أن يفجعانك به، أو ربما يرتبان لك مفاجأة جميلة تسعد بها.
مفاسد تناجي الاثنين دون الثالث
إن هذا التصرف ينثر الحزن في نفس الشخص الثالث، لأنه قد يسيء الظن فيهما وأنهما يغتابانه أو يذكران شيئًا فيه بصورة سيئة، وعلى كل مسلم دفع ظن السوء وتجنب الوقوع في ذلك حتى لا يسيطر الشيطان على الموقف ويبث شروره في نفوس الناس.
كذلك على كل مسلم أن يتجنب مواطن الشبهات حتى لا تسوء سمعته في نظر كل من يتعامل معه ويلتقي به، وحتى إن أباح الرسول التناجي بشروط فهذا لا يبيح الغيبة والنميمة والظلم لأن الله سبحانه وتعالى قد نهى عباده عن ذلك وأمرهم بالتناجي بالبر والتقوى.
ومن المفاسد التي تنتج عن تناجي اثنان دون الثالث هي حدوث تفرقة بين المسلمين ونشر الخصومة بينهم، وهذا ما حذرنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم في بيانه لحكم تناجي اثنان دون الثالث.
وفي النهاية وبعد أن عرضنا موضوع حكم تناجي اثنان دون الثالث بالتفصيل، ينبغي على كل مسلم ومسلمة مراعاة شعور الغير قدر الإمكان حتى لا يخيم الحزن على قلبه وتنتشر العداوة والبغضاء بينكم دون قصد منكم بفعل وساوس الشياطين، لذلك حاول أن تغلق الباب أمامه وتفعل ما يرضيك وتعامل الناس بالطريقة التي تود أن يتعاملوا معك بها.
قد يهمك:
صحة حديث من تعار من الليل وما الذي نقوله عند الإستيقاظ من النوم فجأة
شرح حديث: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك
عقوبات كفر النعم وأنواعها ونماذج عن شكر نعم الله
دعاء كفارة المجلس سبحانك اللهم وبحمدك وآداب المجلس