جمع القرآن الكريم

جمع القرآن الكريم له معنيين أساسيين; حيث أن لفظ الجمْع في اللغة العربية يدلّ على ضمّ الأشياء إلى بعضها، فيُقال: جمع القرآن أو جمعتُ الشيء، أي جمعته كله، وجاء اللفظ بزيادة الهمزة؛:كقول: أجمعت الشيء؛ أي ضمّ الشيء بعضه إلى بعض، وهو تجميع الشيء المُفرّق.
أمّا جمع القرآن الكريم في الاصطلاح الشرعي فيُراد به معنيين: المعنى الأول: جمع القرآن في الصدور غَيباً، حيث قال -المولى عز وجل-: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ). المعنى الثاني لجمع كلام الله : أي كتابته، ويدلّ على ذلك قول سيدنا عمر لأبي بكرٍ-: “وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن”، وقول أبي بكر لزيدٍ بن ثابت-: “فتتبّع القرآن فاجمعه”؛ أي اجعله القرآن مكتوباً ومجموعاً.
جمع وكتابة القرآن الكريم
زاد نزول القرآن الكريم مُفرَّقاً من حرص الرسول صلى الله عليه وسلم- من عدم تفلُّت شيءٍ منه، فكان يردّد كلّ ما يُلقيه عليه جبريل -عليه السلام- قبل انتهائه من تلقينه، فنزل قوله -تعالى-: “إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ”؛ وبعد نزول الآية وانتهاء الوحي من تلقينه، كان يستدعي الكَتَبَة من الصحابة، وكان جبريل ينزل في شهر رمضان ليعرض على النبي القرآن الكريم.
توفي الرسول ولم يتم جمع القرآن الكريم، وكان مفرق ولم يرتب في مصحف واحد، ولكنهُ محفوظ في الصدور فقد حرص الصحابة على حفظ القرآن الكريم أوّلاً بأوّلٍ.
يرجع سبب عدم جمع القرآن مرتبًا في مصحف واحد على عهد المصطفى عليه الصلاة; لترقب النبي لنزول شيء جديد منه حتى وفاته، فلو أنه جمعه بين دفتي مصحف واحد ورتبه أولاً بأول، لأدى ذلك إلى كثرة التبديل والتغيير كلما نزلت عليه آية.
كان القرآن محفوظاً في سطور الصُّحُف والصدور عند وفاة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم، ولم يُجمَع في مكانٍ واحدٍ. ومن أبرز مَن حفظ القرآن في عهد الرسول، هم، أبو بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي، أبيّ بن كعب، وعبدالله بن مسعود، وسالم بن معقل، الخ.
لم تكن كتابة القرآن مُنسّقةً، فكانت السورة تكتَب على أحجارٍ، ثمّ تُربَط معاً بخيطٍ، وتُوضع عند أحد كتّاب الوحي أو يتمّ وضعها في بيتٍ من بيوت أمّهات المؤمنين، وقد ورد سببان لعدم كتابته في مكانٍ واحدٍ، وهم:أنّ الصحابة – كانوا يترقّبون نزول الوحي على النبيّ، والسبب الثاني أنّ أدوات الكتابة، لم تكن متوفّرةً بشكلٍ كافٍ.
حفظ القرآن في الصدور
قال المولى عز وجل: “إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَه فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ”، والمعنى جمع القرآن في صدرك وإثبات قراءته على لسانك. وقد حفظ القرآن كثير من الصحابة.
اختار الله عز وجل سبحانه النبيّ بالرّسالة، وأنزل عليه القرآن الكريم؛ فأحسن النبي استقباله، وممّا يدلّ على ذلك:
- تدارُس النبيّ مع جبريل القرآن مرّةً كل عام؛ حتّى يزيد النبيّ حِفظاً، وتدارُسه مرَّتَين قبل وفاته.
- قوله -تعالى-: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ)،فالقرآن لن يُنسى من قلب النبيّ.
- قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ*قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً*نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً*أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)،[٩] وهو موقفٌ يظهر أهميّة القرآن في حياة النبي.
- قول الله -تعالى-: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ*إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ*فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ*ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)،[٧] حيث تدلّ الآيات على حرص النبي وخوفه من انفلات القرآن من لسانه؛ فجاءت الآيات تطمئنه.
وقد كان النبيّ يُطبّق أوامر ربّه ويستأنس بالقرآن، ، كما حرص على تعليمه صحابته – وتبليغهم إيّاه؛ فلم يقصّروا لحظةً في كتاب الله -تعالى-؛ فجعلوه ميدانهم الأسمى في السباق إلى الله -تعالى-، ويتسابقون في حفظه وتلاوته ودراسته، وكانوا يأخذونه من النبيّ سماعاً، ولجمع القرآن الكريم وحفظه في الصدور عدّة خصائص، منها:
- الحفظ في الصدور هو أوّل علمٍ تأسَّس من علوم القرآن.
- التكفُّل من المولي سبحانه بحفظه من التحريف والتبديل.
- وجوب حفظ القرآن ولو شيئاً يسيراً منه؛ ليتلو كل مسلم ما حفظه في الصلاة.
- لم تكن أيّ أمّةٍ قبل أمّة القرآن تجمع كتابها في الصدور.
الأدلة من القرآن الكريم على حفظه
- قال تعالى: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا. وقال المشركين : «اكْتَتَبَهَا» ولم يقولوا: «كتبها»، لأنهم يعلمون أن النبي أمي لا يكتب.
- قال تعالى:” وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ”.
- تكرار كلمة (الكتاب) ، والتي تعني: القرآن الكريم. كقوله تعالى: “كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ” .
الأدلة من السُنة النبوية على حفظ القرآن
- عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه: «فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُوْل الله فَسَأَلتُهُ مُصْحَفَاً كَانَ عِنْدَهُ، فَأَعْطَانِيْه».
- عن ابن عمر عن المصطفى، أنه قال: «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآن، فَإِنِّي لَا آمَن أَن يَنَالَهُ الْعَدُوُ».
- عن أبي سعيد الخدري أن النبي، قال: «لَا تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآن فَلْيَمْحه».
- عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «كُنَّا عِنْدَ رَسُوْلِ الله نُؤَلِّفُ القُرْآنَ مِنَ الرِّقاعِ».
جمع القرآن في السطور
اهتمّ النبي بجمع القرآن وحفظه في السطور، ولم يدعه خاصّاً بالصدور فقط، فكان فكلّما نزلت آيةً أو سورةً، أمر الرسول بكتابتها، فيتمّ بذلك حفظها.
وهذا ممّا يؤكّد حِرص النبي على جمع كتاب الله مكتوباً، ممّا يعني أنّ لكتابة القرآن الكريم زمن الرسول أهميّةً كبيرةً ظهرت في حياته وبعد وفاته،وقد وردت عدّة أدلةٍ تؤكّد على أنّ القرآن الكريم كان مكتوباً في السطور في العهد النبويّ، ومنها:[١٣]
ثبوت أنّ الرسول كان يراجع ما تتمّ كتابته من قِبل صحابته.
ثبوت أنّ للرسول كتّاباً يكتبون ما كان ينزل من القرآن.
كان النبي يرشد الصحابة في كيفيّة كتابة الآيات والسُّوَر ومواضعها الصحيحة.
نهي النبي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو.
ويُشار إلى أنّ القرآن كُتب بأدوات الكتابة اليسيرة في عهد النبي، منها:
- الرِقاع: وهي من الجلد، وقِيل من غيره.
- الأقتاب: هي قِطعٌ خشبيّةٌ.
- الأكتاف: وهي العِظام العريضة التي تكون من أصل كَتِف الحيوانات.
- اللخاف: وهي صفائح من الحجارة.
- العُسب: وهي جرائد النخيل.
جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق
في بداية الأمر لم تكن هناك حاجةٌ إلى جمع كتاب الله في مكانٍ واحدٍ، في خلافة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- وظل القرآن الكريم مفرقًا غير مجموع في مصحف واحد.
جاءت خلافة أبي بكر الصديق، فقامت حروب الردة، وواجهته أحداث جسيمة، واستحرّ القتل في وقعة اليمامة وكان أغلبهم من حفظة القرأن الكريم- في السنة الثانية عشرة من الهجرة،.
خاف عمر بن الخطاب أن يضيع القرآن الكريم أو أن يضيع شيء منه بموت حفظته، فعرض فكرة جمعه على أبي بكرٍ وكتابته خشية الضياع، وعلى الرغم من أنّ الصديق رفض في البداية، وكَبَرَ عليه أن يفعل ما لم يفعله النبي، إلا أن عمر ظل يراوده ويُذكّره أنّه أمر خيرٍ للمسلمين حتى طمأنّ الله -تعالى- قلب أبي بكرٍ إلي جمعه.
كلف الخليفة أبو بكر زيد بن ثابت بتتبع الوحي وجمع كلام الله، فجمع زيد كلام الله من صدور الرجال. ولم يكتف زيد بالحفظ فقط دون الكتابة، وحرص على المطابقة بين ما هو مكتوب ومحفوظ، فكان ذلك، أول جمع للقرآن في مصحف. واحتفظ أبو بكر بالمصحف المجموع حتى وفاته، ثم بعد ذلك أصبح عند حفصة بنت عمر.
قد اجتمعت في زيد – مزايا وخِصالٌ عديدةٌ اختِير -بفضلها أن يجمع القرآن الكريم، وهي:
- حضوره العرضة الأخيرة للقرآن الكريم بين يدي النبيّ.
- عدم فتور هِمته وقوّة الشباب فيه.
- فهو ثقةٌ لم يُتَّهم في دينه بتجريحٍ، أو فسقٍ، أو ما شابه.
- رجاحته وفطنة عقله، ممّا يعني وعيه بعمله.
- هو أحد كتّاب الوحي الأوائل في عهد النبيّ.
- حِرص ضَبطه استحسان خطّه.
أهمية جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر
من أهمّها مزايا جمع كلام الله في عهد الصديق:
- زوال الشُّبهة من قلوب الصحابة، والتي كانت موسومةً ببِدعة الجمع.
- تدوين القرآن الكريم كاملاً، وضبطه بالكتابة.
- زوال الخوف من موت حفظة القرآن واطمئنان الصحابة لحفظه.
- جمع القرآن في مكانٍ واحدٍ، بعد أن كان أجزاءً مُفرّقةً.
- إجماع الصحابة كلّهم عليه.
- اعتباره المصدر الذي يتمّ الرجوع إليه وقت الحاجة.
جمع القرآن في عهد عثمان بن عفّان
اختلفت أسباب جمع كلام الله في عهد عثمان، عن أسباب الجمع في عهد أبو بكر؛ فكانت غاية الجمع الرئيسيّة في عهد الصدِّيق جمع القرآن الكريم في مصحفٍ واحدٍ، ولم تكن الغاية منه إلغاء جميع المصاحف الأخرى.
في عهد عثمان بن عفان اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، وتفرق الصحابة يُقرِئون الناس القرآن، فكانت القراءات مُتباينةً بحسب ما أُنزِل على الرسول من الأحرف السبعة، والصحابة كلٌّ منهم يُعلّم كما علّمه النبيّ، فأدّى ذلك إلى تعدُّد القراءات، وظهرت قراءات متعددة منشؤها اختلاف لهجات العرب.
لما اجتمع أهل الشام والعراق لغزو ثغور أرمينية وأذربيجان، ظهر الخلاف بينهم في قراءة القرآن، فأرسل عثمان إلى حفصة بنت عمر، يطلب المصحف لنسخه، وأمر عبدالله بن الزبير وزيد بن ثابت وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وسعيد بن العاص، لنسخه، وجعلوا كتابته على لهجة قريش. ثم أرسل عثمان نسخ القرآن للأقطار الإسلامية، وأبقى عنده في المدينة مصحفًا واحدًا، فقضى نسخ القرآن على الاختلاف بين المسلمين.
الفرق بين جمع أبي بكر ونسخ عثمان
كان سبب جمع القرآن في عهد أبي بكر هو الخوف عليه من الضياع بموت حفظته بعد أن استحرّ بهم القتل، أما سبب جمعه في عهد عثمان هو كثرة التباين والاختلاف في قراءته.
أثر الجهود السابقة في كتابة القرآن
كان للجهود السالفة دورٌ عظيم في الاعتناء بالقرآن الكريم، فمن عهد المصطفى عليه الصلاة والسلام كان القرآن محفوظاً بحفظ المولى عز وجل، ولم يدخله أي تحريفٍ، أو تبديلٍ، وهذا دلالة على الجهود الجبّارة في حفظ وكتابة القرآن .
وقد صانه المولى عز وجل ورعاه بهم حتى بقي في شكله ومضمونه، قد حرص العالم الإسلامي على القرآن أعظم حرصٍ، من أيّ تحريف أو زيادةٍ أو نقصانٍ، حتى وإن كانت علامات أو رموزا، ويؤكّد ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: “جرّدوا القرآن ولا تخلطوه بشيء”.
أول من نسخ القرآن الكريم وسبب انتشار المصاحف في العالم الإسلاميّ
يُعَدّ ما فعله عثمان بن عفان من نسخ القرآن الكريم وإرساله إلى البلاد، من أسباب انتشار المصاحف في العالم، كما أنّه أرسل قارئاً مع كلّ مصحف. حيث أرسل عبدالله بن السائب مع المصحف المكّي إلى مكّة، وجعل زيداً في المدينة، والمغيرة بن شهاب مع المصحف الشامي، وعامر بن عبد القيس مع البصري، وأبا عبدالرحمن السلميّ مع الكوفيّ.
كم مرة جمع القرآن الكريم
جمع القرآن ثلاث مرات أولها مرة في عهد النبي (عليه الصلاة والسلام)، حينما كان يقوم كتبة الوحى بكتابته بين يديه، والثانية فى عهد أبى بكر ، والسبب هو قتل كثير من حفظة القرآن، والثالثة فى عهد عثمان بن عفان لما جمعهم على مصحف واحد وحرق باقى المصاحف.
الأحرف السبعة
اختلفت آراء العلماء والمشايخ في المراد من الأحرف السبعة، ومما ورد من تفسيرات حول الأحرف السبعة؛ أن المراد منها التوسعة على القارئ لا الحصر، وأيضا قيل إنها سبع لغات على لغات العرب كلّها، وهي متفرّقة في كتاب الله عز وجل، وقيل إن المقصود بها “سبعةُ أوجه من المعاني المتّفقة بالألفاظ المختلفة”، وهذه المعاني متشابهة، مثال قول: تعال، وأقبل، فهي معاني لفظ واحد، ولم يرد عن المصطفي (عليه الصلاة والسلام)أو عن صحابته نصاً يبيّن المقصود منها.
ختاما، جمع القرآن الكريم كان له أشد الأثر أن لا يخلو كل بيت مسلم اليوم من كتاب الله، ندعو الله أن يرزقنا حفظه وتطبيقه.
المصادر :
ويكيبيديا ، موضوع ، إسلام ويب ، المصري اليوم ، طريق الاسلام
تعليق واحد