ثمرات التوكل على الله وقصص الأنبياء في التوكل على الله
ثمرات التوكل على الله متعددة، وهذه الثمرات تعود على الإنسان بالكثير من المنافع ولعل أهمها نيا الرضا من الله سبحانه وتعالى علينا، فما أعظم أجر من أحسن التوكل على خالقه جل وعلا ووكله في جميع أموره، ولهذا السبب سوف نوضح لحضراتكم اليوم كل ثمرات التوكل على الله وكيفية التوكل عليه وعقوبة من يشارك شخص آخر معه وأهم القصص التي نعتبر بها في هذا الموضوع.
ثمرات التوكل على الله
قبل الحديث عن ثمرات التوكل على الله يجب أن نتحدث قليلًا عن التوكل معناه وتعريفه، فالتوكل على الله هو كأنك تقول له سبحانه وتعالى “يا الله إني فعلت ما بوسعي والآن أطلب منك العون والتدبير، فاللهم إني أعتمد عليك في قضاء الحاجة إياها”.
ومفهومه في اللغة “التكَفُّل”، وفي الاصطلاح “الأخذ بالأسباب والاعتماد على مسبب الأسباب”، فالإيمان بالله سبحانه وتعالى وقدرته على فعل أي شيء والاطمئنان إليه في الظاهر وفي الباطن يجعله يذهلنا بالعوض الجميل.
وذلك لقوله تعالى “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا”.
والتوكل يعتبر من أهم العبادات التي تعود على المسلم بمنافع كثيرة وورد في فضله الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المطهرة.
ولعل أهمها ما يخبرنا الله به في سورة الفرقان “وَتَوَكَّل عَلَى الحَي الَّذِي لَا يَمُوت وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا”.
كذلك يخبرنا الله بضرورة التوكل عليه في المصائب في قوله تعالى في سورة التوبة “قُل لَا يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلَ المُؤمِنون”.
قد يهمك: دعاء سيدنا الخضر للرزق والجواز وتقوية القلب وعند الكعبة المشرفة
عواقب التوكل على الله
أما بالنسبة إلى ثمرات التوكل على الله سبحانه وتعالى فقد حصدناها في نقاط موجزة نعرضها لحضراتكم على النحو التالي:
- السعة في الرزق: ويخبرنا عن ذلك حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف “لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقك كما يرزق الطير تغدوا خماصًا وتروح بطانًا”.
- الأمان من وساوس الشياطين: وذلك لقوله تعالى “إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُون” وإعلان التوكل على الله في كل صباح من أهم أذكار حصن المسلم.
- التخلص من التشاؤم: وهي من أهم ثمرات التوكل على الله ذلك لأن النبي يقول “الطيرة شرك، ولكن الله يذهبها بالتوكل”.
- دخول الجنة دون سابقة حساب: وهو وعد من الله ورسوله الذي قال “يدخل من أمتي سبعين ألفًا بغير حساب، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون”.
- نيل حب الله: ذلك لأن الله جل جلاله يحب المتوكلين عليه وبمجرد أن تنال حب الله يرزقك من حيث لا تحتسب.
- شرط من شروط الإيمان: وذلك لقول الله تعالى “وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤمِنِين”.
- زوال الهم والحزن: وذلك لأن التوكل على الله يكشف الضر والبلاء ويجلب لك الفرج القريب ويخفف من هول المصائب.
- فيه أمان من أي خوف: إن لم تتوكل على الله سوف يصيبك الخوف والقلق من المستقبل، أما إذا توكلت عليه فسوف يطمئن قلبك لا محالة.
- الدعاء المستجاب: ومن ثمرات التوكل على الله أنه يجعل دعائنا مستجابًا لأن فيه يقين بقدرة الله تعالى على تحقيق كل شيء.
مواطن التوكل على الله
وبعد أن عرضنا ثمرات التوكل على الله نتحدث عن مواطن التوكل عليه، فيجب على كل إنسان أن يكون التوكل الصادق مُلازمًا له في كل أمور حياته، وهناك بعض المواطن التي ينبغي على كل مسلم أن يلتزم التوكل على الله فيها ومنها عبادة الله تعالى.
لأن الله يقول “فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّل عَلَيْهِ”، ذلك لأن العبادة تحتاج إلى توفيق من الله والقدرة على الاستمرار عليها وهذا لا يتم إلا عن طريق التوكل على الله في المقام الأول وقبل أي شيء.
كذلك هناك موطن آخر يوجب التوكل على الله وهو عند حلول مصيبة ما أو حين يصيبنا أي شدة أو مكروه، وكل من يريد أن ينجيه الله سبحانه وتعالى مما أصابه به ويكشف ما به من ضر عليه التوكل على الله وألا يعلق قلبه بأحد غيره.
أما الموطن الثالث للتوكل على الله فهو عند مواجهة الأعداء دفاعًا عن النفس أو العرض أو الوطن، وذلك لقول الله تعالى في سورة آل عمران “إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ، وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلَ المُؤمِنونَ”، وحينها تكون ثمرات التوكل على الله في هذا الموطن هو النصر والفوز على أعدائنا.
كما يجب التوكل على الله الحي الذي لا يموت عند الخوف من كيد الكائدين ومكرهم، وذلك يخبرنا الله به في سورة يونس “وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ”.
وإذا ضاق عليك رزقك توكل على الله بعد أخذك بأسباب البحث عن عمل، كذلك يحثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على إعلان توكلنا على الله سبحانه وتعالى عند مغادرة البيت حيث جاء في الحديث الشريف:
“إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقال له: حسبك، قد هديت وكفيت ووقيت، فيتنحى له الشيطان فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدى وكفى ووقى؟”.
قد يهمك: فضل سورة الواقعة ومتى تقرأ لجلب الرزق؟
كيف يكون التوكل على الله؟
يجب أن تدركون أيها القراء الكرام أن التوكل على الله سبحانه وتعالى لا يكون بالقلب فقط؛ بل يتطلب منكم إعلان ذلك وإثباته بأفعالكم من خلال الأخذ بالأسباب.
ذلك لأن عدم الأخذ بالأسباب سوف يجعلكم تتواكلون على الله لا تتوكلون عليه، والتواكل ليس من صفات المؤمن الحق، والآن نعرض لكم بعض من أمثلة التوكل على الله باختصار على النحو الآتي:
- تخليص النفس والقلب من الشرك والإيمان بأن الله هو الواحد الأحد الفرد الصمد.
- التصديق بكامل ربوبية الله عز وجل والإيمان بقدرته على فعل أي شيء وأنه لا يعجزه عن تحقيقه أي مخلوق.
- تجنب سوء الظن وحسن الظن بالله واليقين بأنه سوف يقدر لنا الخير وأن له حكمة في كل شيء.
- أن يستشعر العبد ضعفه أمام مقدرة الله التي تفوق أي شيء.
- الأخذ بالأسباب دون الاعتماد عليها لأن ذلك فيه شرك بالله، فالاعتماد على الله والأسباب علينا.
حكم التوكل على غير الله
إن التوكل على الله سبحانه وتعالى يعد ركيزة أساسية في الإيمان بالله جل وعلا في العموم وهناك عدد كبير من ثمرات التوكل على الله وقد بيناها من قبل، وهو دليل على أنك على أشد اقتناع بأن الله هو خالق كل شيء وبيده كل شيء ومن ثم فهو الوحيد الذي يجب علينا الاعتماد عليه دونًا عن غيره.
والتوكل يحتاج منك الأخذ بالأسباب بدون أن تعتمد عليها، لأنه إذا اعتمدت على الأسباب وقعت في شباك الشرك بالله سبحانه وتعالى وهذا أمر شديد الخطورة.
لذلك ينبغي عليك الإيمان من داخل قلبك وخارجه من جوارحك بأن الله الفرد الأحد الذي لم يلد ولم يولد هو القادر على كل شيء ولا يقدر عليه شيئًا في السماوات والأرض.
وعقوبة الشرك هي النار لا محالة والله أخبرنا كثيراً أنه يغفر أي ذنب إلا أن يُشرك به، لذلك علينا أن نحسن الظن بالله والتوكل عليه في جميع أمور حياتنا مع الأخذ بالأسباب وبذل قصارى جهودنا من أجل الوصول إلى مبتغانا بطريقة سليمة يرضاها الله جل جلاله.
التوكل على الله من العبادات
إن التوكل على الله من العبادات الباطنة القلبية التي توضح مدى يقظة القلب وتعلقه بالله الخالق سبحانه وتعالى، وهذه العبادة تكون خالصة لوجه رب العالمين.
وفيها يعلن المسلم عن إيمانه من كل قلبه بالله وبملائكته وكتبه ورسله ويوم القيامة والكتب السماوية والقضاء والقدر سواء أكان بالخير أو بالشر.
كذلك يؤمن الإنسان من خلال التوكل على الله بأركان الإسلام الخمس سواء الشهادتين أو الصلاة أو الزكاة أو صيام رمضان والحج لمن استطاع إليه سبيلًا.
لذلك علينا التوكل على الله في جميع أمور حياتنا مع الأخذ بالأسباب واليقين تمامًا بأن الله سبحانه وتعالى هو رب كل شيء والإيمان بكل اسم له وبكل صفة من صفاته.
قصص عن التوكل على الله
هناك قصص كثيرة عن التوكل على الله توضح لنا أهم ثمرات التوكل على الله وأبطالها هم عدد من الأنبياء والمرسلين والصحابة وأولياء الله الصالحين، نسرد لكم كل واحدة على حدى في السطور القادمة.
قصة سيدنا نوح عليه السلام
إن نبي الله نوح عليه السلام كان من جنود الله على الأرض، يهدي الناس إلى الصراط المستقيم ويرشدهم إلى طريق الهداية وطريق النجاة من العذاب.
وقد دعا قومه لفترة طويلة من الزمن وعلى الرغم من ذلك فإن الغالبية لم يؤمنوا به لذلك لم يجد نوح مفر من ذلك إلا الدعاء عليهم فدعا الله بهلاكهم.
واستجاب الله سبحانه وتعالى له وأمره ببناء سفينة ضخمة على الرغم من أنه لم تتوافر أشجارًا لبنائها بالشكل والطريقة التي أراد الله بنائها والتي لم يعرفها أحد من قبل.
وسأل النبي ربه عن كيفية بناء هذه السفينة فقال له تفعل كذا وكذا فبدأ في تنفيذ أوامره على الرغم من استهزاء قومه به وأنه كان من قبل نبيًا وهو الآن يعمل في مهنة النجارة.
لكن نوح عليه السلام كان على يقين تام بأن الله سبحانه وتعالى سوف يحدث بعد ذلك أمرًا وأن هنالك الكثير من ثمرات التوكل على الله لذلك أحسن توكله عليه جل جلاله وكان وعده حقًا وهلك الكافرون ونجا نوح مع من آمن بالله.
قصة هود عليه السلام
ولدينا الآن قصة أخرى تعبر عن ثمرات التوكل على الله وهي قصة نبي الله هود عليه السلام الذي نزل عليه الوحي بأن يدعو قوم عاد لعبادة الله عز وجل ويقلعون عن عبادة الأصنام والأوثان.
ولم يمل عن الدعوة يومًا بل كان دائم النصح لهم وكان دائمًا يقول “إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ إِنَّ رَبِّي وَرَبُّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِمٍ”.
ولكنه لم يجد منهم إلا السخرية منه لكن الله أرسل عليهم ريحًا قوية شديدة البرودة فلم يستطيعوا تحملها وماتوا جميعًا إلا هود عليه السلام ومن تبعه وآمن بالله سبحانه وتعالى وبه.
قصة عمر بن الخطاب
وقصة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في معركة اليرموك أكبر مثال على ثمرات التوكل على الله سبحانه وتعالى.
فهذه المعركة كانت في عهد الفاروق وكان عدد المسلمين حينها حوالي 20 ألف مقاتل بينما كان عدد المشركين 100 ألف مقاتل ويزيد، وعندما اشتد القتال وأوشك المشركون على الفوز أرسلوا إلى عمر بن الخطاب كي يمدهم بجيش آخر يدعمون به صفوفهم إلا أنه أخبرهم أنه لن يرسل إليهم ولو مقاتل واحد لأن عددهم كبير.
ولكن ما حدث أنهم لم يحسنون التوكل على الله وذكرهم بما حدث في غزوة بدر وعندما قرؤوا ما أرسله إليهم استيقظت بداخلهم روح التوكل على الله وتحقق النصر.
قصة أم موسى عليه السلام
إن قصة أم سيدنا موسى عليه السلام أفضل مثال لـ ثمرات التوكل على الله، فعندما اشتد طغيان فرعون وجنوده في الأرض أمر بقتل كل الصبيان دون الفتيات.
وذلك لأنه توصل إلى رؤية تفيد بأن نهايته سوف تكون على يد أحد من الصبيان، حينها ولدت أم موسى سيدنا موسى عليه السلام وخافت عليه من المصير المحتوم الذي يعرفه الجميع.
فنادت ربها تشكو إليه فأوحى إليها أن تقوم بإرضاعه وتتركه في البحر ولا تقلق من ذلك لأنه سيكون في معيته، فامتثلت لأمر ربها وفعلت ذلك وتناقلته الأمواج إلى أن وصل إلى قصر الفرعون.
فأحبته آسيا زوجة فرعون بإذن من الله سبحانه وتعالى وأبى موسى أن يرضع من ثدي كل النساء إلى أن وصل إلى أمه مرة أخرى وعاد إلى حضنها.
ومما سبق نستنتج أن ثمرات التوكل على الله لا تعد ولا تحصى، فما دمت مع الله وفي معيته توكله جميع أمورك تأكد من أنك سوف تنال كل ما يقر عينك ويسعد قلبك، لكن مع ذلك ينبغي علينا أن نأخذ بالأسباب ولا نعتمد عليها لأن ذلك فيه شرك بالله وعاقبة الشرك وخيمة، فتوكل على الله وأبذل قصارى جهدك وسوف تجني ثمرات التوكل على الله في أقرب وقت.
قد يهمك:
قصة حرب الفجار في الجاهلية التي شهدها النبي قبل البعثة
حكاية فتنة خلق القرآن وكيف انتهت، وما قصة أحمد بن حنبل معها؟
المنزه عن كل نقص ومعنى اسم الله القدوس وفضل الدعاء به